الحمد لله.
جاءت النصوص الصريحة الصحيحة بالتحذير من اللعن، وذم اللعّانين، والتنفير من التخلق بهذه الخصلة الذميمة، وأنها منافية لكمال الإيمان، ومن أسباب نقصانه. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ الترمذي (1977) وصححه الألباني.
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كُنَّا إِذَا رَأَيْنَا الرَّجُلَ يَلْعَنُ أَخَاهُ، رَأَيْنَا أَنَّهُ قَدْ أَتَى بَابًا مِنَ الْكَبَائِرِ" الطبراني (6674) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2791).
بل إنّ النبي صلى الله عليه وسلم استوقف عائشة رضي الله عنها حين ردت على اليهودي باللعن، وهم أهل لذلك. فعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: « دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ قَالَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ البخاري (5678).
ثانياً:
التلفظ بكلمة اللعن دون إكمالها ليس لعنا صريحاً، إذ لا يكون الحكم إلا بعد تمام الكلام، ولذا لم يعتبر الفقهاء من لم يتم لفظ الطلاق طلاقاً ولو عزم عليه قلبه.
جاء في مسائل حرب للإمام أحمد: "سألت أحمد قلت: رجل أراد طلاق امرأته ثلاثًا، فقام إليه رجل فوضع يده على فيه، فأشار بأصابعه الثلاث. قال: إذا لم يتكلم بلسانه فأرجو أن لا يدخل عليه. قلت: فإن عقد قلبه على الطلاق؟ قال: وإن عقد عليه قلبه، أرأيت لو طلق في نفسه أكان يكون طلاقًا؟!" انتهى من "مسائل حرب الكرماني" (1/ 477 بترقيم الشاملة).
ثالثاً:
التلفظ بكلمة اللعن وحدها بقوله (يلعن) ليس من قول التي هي أحسن، ولا من الخير، والإسلام هذب المؤمن أخلاقياً وأرشده أن يكون قوله خيراً، وأن يقول التي هي أحسن وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: 53] وفي الحديث وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ البخاري (5672).
والمتلفظ بها يحوم حول النهي عن اللعن يوشك أن يقع فيه (كالراعي يرعى حول الحمى).
كما أنه يندرج في البذاءة وفي الحديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ الترمذي (2002) وصححه الألباني.
ويُخشى على من تعود هذا اللفظ (يلعن) أن يقع كثيرا في إتمامه، كما أنه ولو لم يتمه، يخشى عليه أن يدخل في عموم اللعّانين، وفي الحديث عن أبي الدَّرْدَاءَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مسلم (2598).
ويوشك، إن أمسك هذا لسانه مرة عن إتمام "اللعنة" أن ينزلق لسانه إلى إتمامه مرات؛ فالخير عادة، والشر لجاجة، كما قال شداد بن أوس، رضي الله عنه.
وفي "مسائل حرب" (2/887): " سألت إسحاق عن غيبة أهل الشرك قال: ليس أكرهه ولكن أكره أن يعود لسانه".
وقال الإمام أحمد: "لا يعود لسانه الخنا والردى" انتهى، "الفروع" لابن مفلح (9/ 328)
والحاصل:
أن من نطق بكلمة اللعن، ثم لم يكمل؛ إن سلم من إثم اللاعن، وسوء حاله؛ فإنه لا يسلم من عادة السوء؛ ومن رعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه.
والله أعلم.
تعليق