الحمد لله.
أولا:
قراءة سورة بعد الفاتحة في الصلاة هي سنة، وليست بواجب، غير أنه ينبغي ألا يخل بالسورة بعد الفاتحة، على جهة الدوام أو العادة الغالبة، كما ذكرت حالك، فإن ذلك مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم المنقول في صلاتها كلها؛ حيث لم يكن يخل بسورة بعد الفاتحة، وقد يقرأ أكثر من سورة، وقد يقرأ سورة طويلة، بحسب الحال، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد قال معلما للناس: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي رواه البخاري (631).
وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم: (6422).
ثانيا:
إذا كان المسلم في حال صلاته منفردا يقتصر على الفاتحة، فإذا أمّ قوما زاد سورة بعد الفاتحة، فهذا التصرف حكمه بحسب قصد صاحبه؛ لأن الأعمال بمقاصدها؛ كما دل على هذا حديث عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).
فإن كان المصلي يقرأ السورة أمام الناس؛ ليظهر أنه يأتي بالصلاة بجميع واجباتها وسننها، وأنه يحسن في صلاته: فهذا من الرياء المحرم، وهو الشرك الأصغر كما هو معلوم.
عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟
قَالَ: الرِّيَاءُ، إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاؤُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً رواه الإمام أحمد في "المسند" (39/43)، وحسن إسناده محققو المسند، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/120).
وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرِّيَاءَ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ. رواه الحاكم في "المستدرك" (4 / 329) وقال : "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ"، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/121).
فليحذر المسلم من أن يقرأ القرآن ليري الناس فعله.فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ. وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ
رواه مسلم (1905).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" قوله صلى الله عليه وسلم في الغازي والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله، وإدخالهم النار؛ دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته، وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال، كما قال الله تعالى: ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (13 / 50 – 51).
وأما إن كانت قراءة السورة دافعها حصول النشاط بسبب الجماعة، أو من باب النصح للمأموم، فيأتي بالصلاة بجميع سننها حتى لا يفوت المأموم شيء، فهذه نيّة وقصد محمود، فصاحب هذا التصرف غير مذموم، ويرجى له الخير والأجر لحسن قصده، ويجتهد مع نفسه أيضا على تعويدها على السنن وعدم التكاسل.
والذي يظهر أن من يفعل مثل ذلك لا يخلو حاله من تصنع، ومراعاة لحال الناس، ونظرهم إليه، ولو لم يكن إلا نقصان علانيته عن سريرته، لكفى به ذما.
فعلى صانع هذا أن يتوب عن ذلك بالندم والاستغفار والعزم على عدم العودة إليه، ومن تاب تاب التوّاب الرّحيم عليه.
والله أعلم.
تعليق