الحمد لله.
أولاً:
لا يمكن الجزم بأن ما يأخذه والدكم من راتب مال حرام، وذلك أنه في بعض القطاعات جرى عرف عام على أن الوقت الفعلي للدوام خمس ساعات أو نحوها، مع أن المنصوص عليه ثمان ساعات، وهذا بعلم الإدارة العليا للعمل. فيكون هذا من التسامح العرفي الذي لا يؤثر على ما يأخذه والدكم من الراتب.
ثانياً:
إذا كان خروج والدكم قبل انتهاء الدوام تحايلا وعدم أداء للمطلوب منه، فإن المال الذي يأخذه مقابل هذه الساعات التي غادر فيها محل العمل حرام، فإن الله تعالى أمر بالوفاء بالعقود وأداء الأمانات. فيُنصح ويُذكّر برفق بأنّ المال الحرام عاقبته وخيمة، وأنه من موانع الرحمة وإجابة الدعاء، مع دعائكم له بأن يلهمه الله الرشد في هذا الأمر وفي أموره كلها.
ثالثاً:
المال المحرم على نوعين:
- مال حرام لذاته، كالمال المسروق والمغصوب ونحوه، فهذا يكون حراما على الشخص الذي سرق أو غصب وعلى غيره ممن يعلم حاله.
- مال حرام لكسبه، مثل الفوائد الربوية، والرشوة، والتحايل في البيع والشراء ومقابل التفريط في ساعات العمل -كالحال المذكورة في السؤال-. وهذا النوع يكون حراماً على صاحبه فقط، كما قرره المحققون من أهل العلم.
فقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه جَاءَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ لِي جَارًا يَأْكُلُ الرِّبَا، وَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْعُونِي، فَقَالَ: "مَهْنَؤُهُ لَكَ وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ" عبد الرزاق في مصنفه (١٤٦٧٥) وصححه الشيخ آدم الأثيوبي في "شرح صحيح الإمام مسلم" (27/ 729).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال بعض العلماء: ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب، لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه، كالخمر والمغصوب ونحوهما.
وهذا القول وجيه قوي، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما لأهله، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: (هو لها صدقة، ولنا منها هدية) " انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (3/112).
وسئل رحمه الله: "رجلٌ علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه فهل يكون ذلك من العقوق؟
فأجاب: "الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام إن كان حراماً بعينه، بمعنى: أنه يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص فلا يجوز أن يأكله، لو علمت أن أباك سرق هذه الشاة وذبحها، فلا تأكل، ولا تُجِبْ دعوته.
أما إذا كان الحرام من كسبه يعني: أنه هو يرابي أو يعامل بالغش أو ما يشابه ذلك، فكل، والإثم عليه هو" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (188/ 14).
وبناء على ما سبق:
فإذا قدر أن والدكم يخالف الواجب عليه في عمله؛ فإنه – مع ذلك - يجوز لكم الانتفاع من راتب أبيكم، والأكل منه، ما دمتم في رعايته، وتأكلون من نفقته.
ومن أوسع الله عليه، واستقل بمعيشته، فقد جعل الله له فرجا ومخرجا، ولو ناصحتم والدكم، باللين والحسنى، فهو خير، ولعل الله أن يصلح له أمره، ويطيب له عيشه، ويتوب عليه.
والله أعلم
تعليق