الخميس 11 صفر 1446 - 15 اغسطس 2024
العربية

باعوا نصيب أخواتهم من العقار دون إذنهن، فما العمل؟

484273

تاريخ النشر : 20-02-2024

المشاهدات : 564

السؤال

توفي والدي سنة ١٩٨٧، وله أربعة أولاد وخمسة بنات، وقد وكلت أمي عمي بتوكيل رسمي بالتصرف في جميع النواحي المالية والمعنوية، وقد قام عمي بشراء عقار في طور البناء، وكتب عقد الشراء باسم الأولاد٤ سنة ١٩٩٢ بعقد بيع كامل الشروط، وبالاتفاق بين أمي وعمي، وبعد مدة تراجعت أمي عن الاتفاق سنة ١٩٩٧ بسحب التوكيل، وقد قمنا ببيع العقار سنة ٢٠٢٣ بصفتنا مالكو العقار. فهل يجوز هذا البيع بدون إذن أخواتنا، علما إن العقد قانوني، ولا يمكن البيع سوى للمسجلين في عقد البيع؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

السؤال ينقصه بعض المعلومات حتى يكون الجواب وافيا ، مثل : هل كان هؤلاء الأولاد بالغين راشدين وقت الشراء والبيع أم لا ؟ وهل كانت والدتك لها وصاية عليهم أم لا ؟ والثمن الذي دفع هل كان من نصيب الأبناء الأربعة فقط ؟ أم من نصيب البنات أيضا ؟ ... إلخ .

ولكن .. سنجيب على قدر ما فهمناه من السؤال .

فالذي فهمناه أن العقار تم شراؤه لجميع الأولاد ذكورا وإناثا ، ولذلك وقع السؤال عن حكم البيع بدون إذن البنات ، ولكنه في الأوراق الرسمية كتب باسم الأبناء الذكور فقط ، ثم عند البيع لم يؤخذ رأي البنات .

فإن كان الأمر كذلك ، فلا يجوز بيع العقار إلا برضى البنات وإذنهم ، لأن لهم ملكا فيه .

ولا يجوز لأحد أن يبيع مال أحد إلا بإذنه ، لأن من شروط صحة البيع أن يكون البائع مالكا للتصرف ، وملك التصرف يشمل ما لو كان مالكا للعين ، أو لا يملكها ولكنه مأذون له في بيعها ، كالوكيل.

قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" :

"الشَّرْطُ الرَّابِعُ من شروط صحة البيع : أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، مِلْكًا تَامًّا ،  لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ : لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ...

أَوْ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي بَيْعِهِ ، لِقِيَامِ الْمَأْذُونِ لَهُ مَقَامَ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ نَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ نَفْسِهِ" انتهى باختصار .

وإذا باع الإنسان ملك غيره ، فهذا يسميه العلماء "بيع الفضولي"، وقد اختلف العلماء في صحته ، والصواب أنه يرجع فيه إلى صاحب المال ، فإن أجاز البيع صحت المعاملة ونفذت ، وإن أبطله  فسخ العقد ، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك .

جاء في "الموسوعة الفقهية" (3/285):

"الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ عِنْدَ عَدَمِ الإْجَازَةِ :

وَمِنْ أَشْهَرِ أَمْثِلَتِهِ : بَيْعُ الْفُضُولِيِّ ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْفُذُ لاِنْعِدَامِ الْمِلْكِ ، لَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ ، فَإِنْ أَمْضَاهُ مَضَى ، وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ" انتهى.

وقد دل على ذلك ما رواه الترمذي (1258)، وأبو داود (3384)، وابن ماجه (2402) عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِيِّ، قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا لِأَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً، فَاشْتَرَيْتُ لَهُ شَاتَيْنِ، فَبِعْتُ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجِئْتُ بِالشَّاةِ وَالدِّينَارِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ لَهُ: (بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ، فَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى كُنَاسَةِ الكُوفَةِ فَيَرْبَحُ الرِّبْحَ العَظِيمَ، فَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الكُوفَةِ مَالًا) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

فعروة رضي الله عنه وكل في شراء شاة فاشترى شاتين ، ولم يوكل في بيع إحداهما ، ولكنه فعل ذلك بدون إذن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وأقر تصرفه .

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى عن تصرف الفضولي :

"والصحيح أنه جائز ونافذ إذا أجازه المالك" انتهى .

واستدل على ذلك بحديث عروة السابق .

"الشرح الممتع" (8/132)

وعلى هذا؛ إن رضيت أخواتكم بالتصرف ، فهو صحيح ، وإلا وجب فسخ البيع إن أمكن .

فإن لم يمكن فقد اعتديتم على حقهن، والواجب عليكم أن تعتذروا لهن وتسترضوهن بكل سبيل حتى يرضين، وتوفوا لهن حقهن.

ثانيا :

كون العقد موافقا للأوراق الرسمية في الدولة، لكنه مخالف للشريعة: لا يعني أنه جائز ، لأن الشريعة هي الحاكمة على غيرها وليس العكس ، فالعمل بالأنظمة واللوائح الإدارية في الدولة لا بأس به؛ بشرط ألا يخاف أحكام الشريعة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب