الحمد لله.
الذي فهمناه من سؤالك أن والدك له دين عند صديقه، وأن هذا الصديق زعم أن والدك اتصل به وأخبره أن له (=عليه، بتعبير أصح) ديونا عند آخرين. ثم ادعى أن والدكم طلب من هذا الصديق أن يؤدي ما عليه من ديون، من المبلع الذي له عليه.
وهنا مسألتان:
الأولى: إذا ثبت أن على هذا الصديق دينا، ببينة، أو بإقراره، فعليه أداؤه لورثة المتوفى.
الثانية: إن ادعى أن على الميت ديونا، وأنه سيقضيها مما عليه، لم يُلتفت لهذه الدعوى، حتى يثبت الدين بالبينة، وهي شهادة شاهدين، أو يثبت بخط المتوفى المعروف.
وينظر: في طرق ثبوت الدين: "الموسوعة الفقهية" (21/ 120).
واشترط بعض الفقهاء بالإضافة إلى إقامة البينة بالدين على المتوفى ، أن يحلف أمام القاضي (يمين القضاء) .
قال الصاوي رحمه الله في "بلغة السالك" (4/ 232): "إذا ادعى شخص على من مات أن له عنده كذا، من بيع أو قرض، ولم يقر ورثته به: فلا يحكم القاضي لذلك الشخص المدعي بهذا الدين، إلا إذا حلف يمين القضاء، بعد إقامة البينة.
فإن أقر ورثته الكبار، قبل رفع المدعي للحاكم: فلا يتوجه عليه يمين .
وأما إن أقروا بعد الرفع، ورضوا بعدم حلفه، فهل كذلك لا تتوجه اليمين أو لا؟ قولان لبعض الشيوخ" انتهى.
وعليه؛ فلا يلزمكم الأخذ بكلام صديق الوالد، بل يطالب بسداد ما عليه فحسب.
وإن غلب على ظنكم صدقه، واستأمنتموه على سداد الدين مما عليه: فلا حرج.
ولكم سؤاله عن أصحاب الديون، لمراجعتهم والتحقق من ثبوت ديونهم، حتى لو قال: إن المتوفى طلب منه عدم إخباركم.
فإذا ثبت شيء من الدين على والدكم، بالبينة الشرعية: وجب عليكم أداؤه من تركة المتوفى، إن وجدت.
وكذا لو لم يثبت الدين ببينة تصلح للقضاء به؛ لكن غلب على ظنكم صدق المدعي.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " كان لي عم، وقد توفاه الله، وبعد مضي مدة على وفاته تقدم أحد الأشخاص يقول: إن لي على عمك دينا، فأوفنيه.
طلبت منه ما يثبت ذلك الدين من وثيقه ونحوها، فلم يكن عنده شيء .
ثم طلبته أن يحلف بالله أن له ديناً على عمي، فرفض أن يحلف، بحجة أنه لن يحلف على حق له، فليس في هذا داعٍ للقسم، فما العمل في مثل هذه الحالة؟ هل أعطيه ما ادعاه من الدين؟
فأجاب:
هذا الذي ادعى أن له ديناً على عمك : لا يلزمك وفاؤه ، إلا إذا أقام بينة؛ لأنه إن لم يقم بينة ، فإنه لا يلزمكم أن توفوه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي). إذ يكون هو المفرط، حيث لم يثبت هذا ببينة، وليس عليكم شيء.
اللهم إلا إذا علمتم أن هذا الرجل ثقة، لا يمكن أن يدعي ما ليس له، فحينئذٍ يجب على من وثق بقوله ، أن يؤديه ما ينال نصيبه من الميراث.
وأما من لم يثق بقوله: فإنه لا يلزمه أن يؤديه شيئاً.
وكونك طلبت منه اليمين، فلم يحلف، بناء على أنه يعتقد أن الحق له، فإنه يكون هو الذي فرط في حقه؛ لأنه لا يستحق شيئاً إلا بيمين.
ولكن كما قلتُ قبل قليل، أنك إذا كنت تثق من صدق هذا الرجل، وقد ورثت من مال عمك شيئاً، فأدِ له نصيباً ، أو قسطاً ما ، يكون من نصيبك في ميراث عمك.
وهكذا كل من صدَّقه من الورثة ، فإنه يلزمهم أن يعطوه من نصيبهم من التركة.
مثال ذلك: لنفرض أن عمك له بنت، وأنك أنت العاصب، فيكون للبنت النصف ، ولك الباقي وهو النصف.
فإذا كان صاحب هذا الدين يدعي عشرة آلاف ريال ، وأنت تثق من صدقه ، فإنك تعطيه من الذي ورثت من عمك، تعطيه خمسة آلاف ريال؛ لأنها مقابل نصيبك.
ثم البنت إن صدقته أيضاً: دفعت الباقي، وإن لم تصدقه فإنه لا يلزمها شيء.
هذا هو حكم هذه المسألة" انتهى من فتاوى نور على الدرب.
والله أعلم.
تعليق