الأربعاء 11 محرّم 1446 - 17 يوليو 2024
العربية

هل للزوج إرجاع زوجته في العدة دون رضاها؟

485620

تاريخ النشر : 13-12-2023

المشاهدات : 836

السؤال

رجل لاينفق على زوجته ولايهتم لشأنها فطلبت منه الطلاق فطلقها طلقه واحده وهي اول طلقه فلو اراد ارجاعها في فترة العده ، وهي رافضة لذلك ،لنفس السبب الذي هو سبب الطلاق اصلا ، فهل هذا الرفض منها للرجوع اليه يصح منها لأنها ترى انه لن يكون هناك عشره بينهم بالمعروف اذا رجعت اليه

الجواب

الحمد لله.

أولا :

إذا طلق الزوج زوجته طلقة واحدة على غير عوض تدفعه له الزوجة ، وكانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية ، فله أن يرجعها إلى عصمته ما دامت في العدة ، ولا يشترط لذلك رضاها ولا رضا وليها .

وعلى هذا أجمع العلماء ، لقول الله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) .

قال ابن قدامة رحمه الله :

"وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الرَّجْعَةِ رِضَى الْمَرْأَةِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا . فَجَعَلَ الْحَقَّ لَهُمْ ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ  فَخَاطَبَ الْأَزْوَاجَ بِالْأَمْرِ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُنَّ اخْتِيَارًا .

وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ إمْسَاكٌ لِلْمَرْأَةِ بِحُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهَا فِي ذَلِكَ ، كَاَلَّتِي فِي صُلْبِ نِكَاحِهِ .

وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا" انتهى ، المغني (10/553) .

ثانيا :

أما إذا كان الطلاق على عوض ، فإن الزوج لا يملك رجعتها ، لأنها إنما دفعت العوض لتفتدي منه ، وتمنعه من رجعتها .

قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" وهو يعدد شروط الطلاق الذي يثبت للزوج فيه الرجعة:

"الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي الطَّلَاقِ إنَّمَا جُعِلَ لِتَفْتَدِيَ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ" انتهى .

ومن صور العوض التي قد يقع عليها الطلاق : أن تعطيه المهر أو الذهب الذي كان أعطاها إياه .

ومن صور العوض : أن تتنازل له عن حقوقها ، كما لو كان لها مهر مؤخر ، فتتنازل عنه مقابل الطلاق ، فلا يملك الزوج رجعتها حينئذ .

وينظر جواب السؤال (270964) .

ثالثا :

إذا كان الزوج مسيئا لزوجته ، كما لو كان مقصرا في النفقة عليها ، أو مسيئا لعشرتها ، وأراد رجعتها : فإنه يجب عليه أن يكون عازما على إصلاح ما أفسده ، فيحسن معاملتها ، بأن ينفق عليها بالمعروف إن كان مقصرا في النفقة ، ويحسن التعامل معها إن كان يسيئه .. وهكذا ، وذلك لقوله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) . فجعل الله تعالى الزوج أحق بالرجعة بشرط أن يريد الإصلاح .

قال الصنعاني رحمه الله في "سبل السلام" :

"وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا : أَيْ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي الْعِدَّةِ ، بِشَرْطِ أَنْ يُرِيدَ الزَّوْجُ بِرَدِّهَا الْإِصْلَاحَ ، وَهُوَ حُسْنُ الْعِشْرَةِ وَالْقِيَامُ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ .

فَإِنْ أَرَادَ بِالرَّجْعَةِ غَيْرَ ذَلِكَ ، كَمَنْ يُرَاجِعُ زَوْجَتَهُ لِيُطَلِّقَهَا كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ ، فَإِنَّهُ يُطَلِّقُ ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِهِ ، فَيُرَاجِعُ ، ثُمَّ يُطَلِّقُ ؛ إرَادَةً لِبَيْنُونَةِ الْمَرْأَةِ = فَهَذِهِ الْمُرَاجَعَةُ لَمْ يُرِدْ بِهَا إصْلَاحًا ، وَلَا إقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ إذْ الْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهُ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمُرَاجَعَةُ ، وَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِرَدِّ امْرَأَتِهِ إلَّا بِشَرْطِ إرَادَةِ الْإِصْلَاحِ وَأَيُّ إرَادَةِ إصْلَاحٍ فِي مُرَاجَعَتِهَا لِيُطَلِّقَهَا .

وَمَنْ قَالَ إنَّ قَوْلَهُ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلرَّجْعَةِ ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ بِلَا دَلِيلٍ" انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"وَأَخْبَرَ أَنَّ الرِّجَالَ لَيْسُوا أَحَقَّ بِالرَّدِّ ؛ إلَّا إذَا أَرَادُوا إصْلَاحًا" انتهى، "مجموع الفتاوى" (34/84) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

"وذلك نص في أن الرجعة إنما ملكها الله تعالى لمن قصد الصلاح ؛ دون من قصد الضرار" انتهى، "أعلام الموقعين" .

ومجرد خشيتها أن يستمر في ظلمها : ليست عذرا لها لتمتنع من الرجوع له ، لأن ذلك قد يكون مجرد توقع منها لا حقيقة له ، فعليها أن تثبت ذلك أمام القاضي الشرعي ، كما لو كان صرح بذلك لبعض الناس ، أو هددها به أمام بعض الناس ، أما إذا لم يكن لديها بينة على أن الزوج أراد إرجاعها للإضرار بها ، فإنها ترجع إليه ، ثم إن أضر بها، رفعت أمرها إلى القاضي وأثبتت الضرر.

وكون الزوج يعيد زوجته إلى عصمته بعد أن طلقها بسبب عدم إنفاقه عليها يفيد أنه عازم على تغيير هذا الشر إلى خير ، فيدخل في قوله : (إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا) فيكون ظاهر حاله أنه أراد الإصلاح ، فتصح الرجعة في حقه .

ينظر : الفتاوى الكبرى (6/256) .

رابعا :

ينبغي في مثل هذه المشكلة التي تفاقمت حتى وصلت إلى الطلاق ، أن يتدخل عقلاء العائلة الذين يسمع الزوج كلامهم ، وينصحوه بما يجب عليه من إحسان معاملة زوجته ، كما أنهم ينصحون الزوجة أيضا بالصبر وعدم التعجل في طلب الطلاق ، فإن الحياة لا تخلو من المنغصات ، وفي كثير من الأحوال يكون بقاء الزوجية ، مع أنها ليست في صورتها المثلى الكاملة ، خيرا للزوجين والأولاد من الطلاق .

ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوالكم .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب