الحمد لله.
أولا:
يشترط لصرف العملات، إذا كانت من جنس واحد، كالدراهم المغربية، بعضها ببعض: التماثل، والتقابض في المجلس.
والأصل في ذلك: ما روى مسلم (1587) عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ .
والعملات النقدية لها ما للذهب والفضة من الأحكام.
جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " التابع لمنظمة " المؤتمر الإسلامي " ما نصه:
"بخصوص أحكام العملات الورقية: أنها نقود اعتبارية، فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة، من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامهما" انتهى من "مجلة المجمع" (العدد الثالث ج 3 ص 1650، والعدد الخامس ج 3 ص 1609).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/444) : " ما الحكم الشرعي في تبادل العملات (في السوق السوداء) مثلا 3000 دج بـ 3000 فرنك فرنسي، أي بنسبة 300% مع العلم أن التبادل عن الطريق الشرعي هو مثلا 300 دج بـ 340 فرنك فرنسي .
فأجابت : إذا كان التبادل بين عملتين من جنس واحد: وجب التساوي بينهما، والتقابض بالمجلس، وحرم التفاضل بينهما، وحرم تأخير القبض فيهما، أو في إحداهما شرعا.
وإذا كانتا من جنسين جاز التفاضل بينهما شرعا، سواء كان ذلك في السوق السوداء أم في غيرها، وحرم تأخير بعضهما أو إحداهما.
الشيخ عبد الله بن قعود ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى .
ثانيا:
إذا كنت تريد صرف ورقة بخمسين درهما، ولم يكن مع الطرف الآخر إلا تسعة وأربعون: جاز أن تُصارفه، وتهبه درهما، فيقع الصرف بين تسعة وأربعين، مع مثلها، وتهبه الزائد، ولا حرج في الجمع بين الصرف والهبة عند الجمهور، خلافا لبعض المالكية.
وينظر: "تهذيب الفروق" لابن حسين المكي المالكي (3/179).
قال ابن قدامة، رحمه الله: " ولو صارف رجلا دينارا بعشرة دراهم، وليس معه إلا خمسة دراهم، لم يجز أن يتفرقا قبل قبض العشرة كلها.
فإن قبض الخمسة، وافترقا: بطل الصرف فى نصف الدينار. وهل يبطل فيما يقابل الخمسة المقبوضة؟ على وجهين، بناء على تفريق الصفقة.
وإن أرادا التخلص: فسخا الصرف فى النصف الذى ليس معه عوضه، أو يفسخان العقد كله.
ثم يشترى منه نصف الدينار بخمسة، ويدفعها إليه، ثم يأخذ الدينار كله، فيكون ما اشتراه منه له، وما بقى أمانة فى يده، ثم يفترقان.
ثم إذا صارفه بعد ذلك بالباقى له من الدينار، أو اشترى به منه شيئا، أو جعله سلما فى شىء، أو وهبه له: جاز ..". انتهى، من "المغني" (6/114).
وقال في "كشاف القناع" (3/ 269): " (ولو صارفه خمسة دراهم بنصف دينار فأعطاه دينارا) ليأخذ منه نصفه (صح) الصرف لوجود القبض ولو تأخر التمييز حتى تفرقا.
(ويكون نصفه له، والباقي) من الدينار (أمانة في يده) أي يد قابض الدينار لما تقدم (ويتفرقان) أي لهما أن يتفرقا قبل تمييز النصف.
(ثم إن صارفه) أي صارف قابض الدينار صاحبه (بعد ذلك بالباقي له منه) أي من الدينار جاز (أو اشترى به) أي بالباقي من الدينار (منه شيئا) جاز (أو جعله) أي الباقي (سلما في شيء) جاز لأنه عين ماله وليس دينا (أو وهبه) أي وهب دافع الدينار قابضه (إياه) أي الباقي منه (جاز) لأنه تصرف من أهله في محله" انتهى.
ففي ذلك كله: بيان جواز التفرق، إذا تصارفا على قدر مما مع أحدهما، وبقي معه بعضه أمانة، أو وهبه إياه؛ فهذا كله جائز.
وجاء في "المعايير الشرعية" ص 660، معيار اجتماع العقود:
" يجوز اجتماع أكثر من عقد في منظومة واحدة، بدون اشتراط عقد في عقد، إذا كان كل واحد منها جائزأ بمفرده، ما لم يكن هناك دليل شرعي مانع؛ فعندئذ يمتنع بخصوصه استثناءً.
ضوابط جواز الجمع بين العقود :
1-أن لا يكون ذلك محل نهي في نص شرعي، مثل النهي عن البيع والسلف.
2-أن لا يكون حيلة ربوية، مثل الاتفاق على بيع العِينة، أو التحايل على ربا الفضل.
3-أن لا يكون ذريعة إلى الربا، مثل الجمع بين القرض والمعاوضة، أو إقراض الغير مالا
على أن يسكنه المقترض داره، أو يهدي له هدية، أو على أن يقضيه بزيادة في القدر أو
الصفة" انتهى.
وجاء فيها، ص 670:
" مستند جواز اجتماع أكثر من عقد في معاملة واحدة، إذا كان كل واحد منها جائزا بمفرده، ما لم يكن هناك دلیل شرعي حاظر: أن الأصل بمقتضى دلائل نصوص الشريعة وكلياتها العامة حرية التعاقد، ووجوب الوفاء بكل ما يتراضى عليه المتعاقدان ويلتزمان به، ما لم يكن في ذلك تحليل حرام أو تحريم حلال. قال ابن القيم: "والأصل في العقود والشروط: الصحة؛ إلا ما أبطله الشارع، أو نهى عنه. وهذا القول هو الصحيح".
وقد نص جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة على أن الأصل عندهم قياس المجموع على أحاده؛ فحيث انطوت المعاملة على عدة عقود، كل واحد منها جائز بمفرده، فإنه يحكم على المجموع بالجواز .
وبناء على هذا الأصل: نص الحنابلة والشافعية في الأصح على صحة الجمع بين عقدين – حتى ولو كانا مختلفي الوضع والحكم - بعوض واحد، كما ذهب ابن تيمية إلى جواز اجتماع عقدين بعوضين متميزين" انتهى.
والحاصل:
أنه لا حرج في اجتماع الصرف والهبة من غير شرط، كأن تصارف تسعة وأربعين درهما بتسعة وأربعين، وتهبه الدرهم الباقي، من غير اشتراط، ولا أخذه على سبيل المعاوضة، بل هو هبة محضة.
والله أعلم.
تعليق