الخميس 23 شوّال 1445 - 2 مايو 2024
العربية

ما حكم القرعة بالعملة المعدنية للاختيار من بعض الأشياء المختلفة؟

488669

تاريخ النشر : 02-01-2024

المشاهدات : 4131

السؤال

في الآية الكريمة وَأَن تَسۡتَقۡسِمُوا۟ ‌بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ، هل ذلك يجعل رمي عملة معدنية لتحديد قرار حرامًا؟ بمعنى، نقوم برمي عملة معدنية، فعلى أحد أوجهها صورة ، والأخر شيء مكتوب، فمثلا نقول نرمي العملة، فإذا كانت على وجه الكتابة نأكل شيئا ما، وإذا كانت على وجه الصورة نأكل غيره، فهل هذا حرام ؟ وهل يجوز فعل نفس الشيء في تحديد أي كلية أختار، وما إلى ذلك ؟ يعني ماهي الضوابط لهذا الفعل؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

جاء في "الموسوعة الفقهية" (4/ 81)."القرعة: اسم مصدر بمعنى الاقتراع، وهو الاختيار بإلقاء السهام ونحو ذلك.

وليست القرعة من الميسر كما يقول البعض؛ لأن الميسر هو القِمار، وتمييز الحقوق ليس قمارا.

وليست من الاستقسام المنهي عنه، لأن الاستقسام تعرض لدعوى علم الغيب، وهو مما استأثر به الله تعالى، في حين أن القرعة تمييز نصيب موجود، فهي أمارة على إثبات حكم؛ قطعاً للخصومة، أو لإزالة الإبهام.

وعلى ذلك فالقرعة التي تكون لتمييز الحقوق مشروعة.

أما القرعة التي يؤخذ منها الفأل، أو التي يطلب بها معرفة الغيب والمستقبل فهي في معنى الاستقسام الذي حرمه الله سبحانه وتعالى" انتهى.

قال ألكيا الهراسي رحمه الله في "أحكام القرآن" (3/ 21): " ومعنى استقسام: طلب علم ما قُسم له بالأزلام، وإلزام أنفسهم ما يأمرهم به القداح بقسم اليمين.

والاستقسام بالأزلام: أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوا أو تجارة، أو غير ذلك من الحاجات: أجال القداح، وهي الأزلام.

وهي ثلاثة أضرب:

منها: نهاني ربي.

منها: ما نهاني ربي.

ومنها: غُفْلٌ؛ لا كتابة عليه.

فإذا خرج الغُفْل: أجال القداح ثانية.

وهذا إنما نهى الله تعالى عنه، فيما يتعلق بأمور الغيب، فإنه لا تدري نفس ما يصيبها غدا، فليس للأزلام في تعريف المغيبات أثر.

فاستنبط بعض الجاهلين من هذا: الرد على الشافعي في الإقراع بين المماليك في العتق، ولم يعلم هذا الجاهل، أن ما قاله الشافعي، بناء على الأخبار الصحيحة: ليس مما يُعترض عليه بالنهي عن الاستقسام بالأزلام، فإن العتق حكم شرعٍ، فيجوز أن يجعل الشرع خروج القرعة عَلَما على حصول العتق، قطعا للخصومة، أو لمصلحة يراها.

ولا يساوي ذلك قول القائل: إذا فعلت كذا، أو قلت كذا؛ فذلك يدل في المستقبل على أمر من الأمور، فلا يجوز أن يجعل خروج الإقراع عَلَما على شيء يتجدد في المستقبل.

ويجوز أن يجعل خروج العتق عَلَما على العتق، قطعا. فظهر افتراق البابين" انتهى.

ونقله عنه القرطبي في تفسيره (6/ 59).

ثانيا:

القرعة مشروعة باتفاق الفقهاء، وقد دل عليها القرآن والسنة.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (33/ 137): " القرعة مشروعة باتفاق الفقهاء، وقد تكون مباحة أو مندوبة أو واجبة أو مكروهة أو محرمة في أحوال سيأتي بيانها.

ودليل مشروعيتها الكتاب والسنة.

فأما مشروعيتها من القرآن الكريم فقوله تعالى: وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم، أي يحضنها، فاقترعوا عليها.

وقال تعالى: وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين.

عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله (فساهم) يقول: أقرع.

وأما مشروعيتها من السنة المطهرة، فحديث أبي هريرة رضي الله عنه: عرض النبي صلى الله عليه وسلم على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتُهن خرج سهمها، خرج بها معه" انتهى.

وينظر: "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (13/ 174-175).

ثالثا:

القرعة تستعمل في مجالات كثيرة، كما لو استوى اثنان فأكثر في الصفات التي يقدم بها للإمامة أُقرع بينهم عند التنازع، وكما لو تساوى اثنان فأكثر في استحقاق الحضانة أقرع بينهم، وكما  في الإقراع بين الشركاء عند تعديل السهام في القسمة.

وغير ذلك من الفروع.

ولا حرج في إجراء القرعة على نوع ما يؤكل، إذا حصل تردد أو اختلاف بين الحاضرين في اختيار ما يؤكل، فتفعل القرعة تطيبيا للنفوس؛ لأن اختيار أحدهما، ليس بأولى من اختيار صاحبه.

وقد ذكروا أن من حكمة القرعة تطييب القلوب.

قال المرغيناني الحنفي رحمه الله: " والقرعة لتطييب القلوب، وإزاحة تهمة الميل" انتهى من "الهداية في شرح بداية المبتدي" (4/ 330).

رابعا:

وأما القرعة على اختيار كلية من الكليات: فإن كان ذلك أخذا للفأل من القرعة، أي اعتقاد أن ما خرج بالقرعة هو الأصلح، أو الأنسب له، أو هو ما يحبه الله ويختاره له : فهذا محرم كما تقدم، وهو من جنس الاستقسام بالأزلام.

ومثل ذلك إن كان يريد باختيار الطعام: ما هو الطعام الأنسب له، أو الأصلح. ونحو ذلك من الأمور.

وهكذا؛ كل ما كان ذلك لتردد الإنسان نفسه في الاختيار، ولا يدري ما هو الخيار الأنسب: فلا يجوز له أن يجري القرعة في مثل ذلك، أو يطلب الخير، أو الأنسب والأصلح عن طريق القرعة؛ وإنما المشروع في حقه الاستخارة، فيستخير على واحدة منهما، ويمضي في التنفيذ، فإن لم تتيسر استخار على الأخرى، وله أن يستخير مرتين، على كليهما، ثم يمضي في التنفيذ، فما تيسر فهو الخير له.

وقد سبق نقل كلام إلكيا الهراسي، رحمه الله، في بيان القرعة المشروعة، وفيه: " ولا يساوي ذلك قول القائل: إذا فعلت كذا، أو قلت كذا؛ فذلك يدل في المستقبل على أمر من الأمور، فلا يجوز أن يجعل خروج الإقراع عَلَما على شيء يتجدد في المستقبل".

فكل ما كانت القرعة فيه طلبا لمعرفة أمر مستقبل، أو الخير من الغيوب التي يطلب معرفتها، أو الصالح منها، أو طلبا للفأل: فهذا كله محرم، وهو شبيه باستقسام أهل الجاهلية بأزلامهم.

قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، في "تفسير سورة المائدة" (1/48):

"الفائدة الثانية عشرة: تحريم الاستقسام بالأزلام، وهل يدخل في ذلك الاستقسام بغيرها؟

الجواب: نعم؛ لأنه مبني على وَهْمِ وليس على حقيقة، لكنَّ الله أبدل العباد بالاستخارة.

وأما الاستقسام بأي شيء: فإنه لا يجوز، فلو أراد إنسان أن يستقسم، فقال: إن ظهر على رجل بالغ سافرت، وإن ظهر عليّ صبي صغير لم أسافر، وما أشبه ذلك من الاستقسامات فهذا حرام ولا يجوز.

لو قال قائل: ما الفرق بين الاستقسام، والتطير، والقرعة؟

التطير: يحصل بغير إرادة الإنسان. وأما الاستقسام بالأزلام: فيحصل بفعل الإنسان.

مثال التطير: إذا رأى طيرًا اتجه عند طيرانه إلى جهة اليمين أو اليسار تطير، وعزم على الفعل أو على الترك.

لكن الاستقسام يكون من فعله هو نفسه.

مثاله: اختلف صديقان هل يذهبان أم لا، وعندهم قطعة نقود حديدية فقالا: إن خرج هذا الوجه من العملة ذهبنا وإلا فلا!! هذا من الاستقسام، فالمستقسم هو الذي جعل هذا الشيء سببًا.

ففرق بين ما يُفعل بلا قصد، وبين ما يفعل بقصد.

 وأما القرعة فتكون في حق من الحقوق؛ لا في الإرادات، والمضي، والرجوع". انتهى.

وينظر: جواب السؤال رقم: (130169).

رابعا:

ذكر الفقهاء من طرق إجراء القرعة: كتابة أسماء المقترع بينهم في رقاع أو ورق، أو كتابة الأجزاء التي يراد توزيعها.

وكيفما أجريت القرعة جازت.

قال في "كشاف القناع" (6/ 280): "(وكيفما أقرعوا: جاز)؛ إن شاءوا رقاعا، أو بالخواتيم، أو الحصا أو غيره؛ لحصول المقصود وهو التمييز.

(والأحوط أن يكتب اسم كل شريك في رقعة)؛ لأنه طريق إلى التمييز، (ثم تدرج) الرقاع (في بنادق) كل رقعة في بندقة من (شمع أو طين، متساوية قدرا ووزنا)، حتى لا يعلم بعضها من بعض، (ثم تطرح في حِجر من لم يحضر ذلك)، أي: الكتاب والإدراج؛ لأنه أنفى للتهمة، (ويقال له: أخرج بندقة على هذا السهم)، ليعلم من هو له؛ (فمن خرج اسمه كان) ذلك السهم (له)؛ لأن اسمه خرج عليه، وتميّز سهمه به، (ثم) يفعل (بالثاني كذلك)، أي كما فعل الأول من القول والإخراج لمساواته للأول، (والسهم الباقي للثالث إن كانوا ثلاثة، واستوت سهامهم)؛ لتعين السهم الباقي للثالث، لزوال الإبهام.

(وإن كتب سهم كل اسم في رقعة ثم أخرج) من طرحت في حجره بعد إدراجها، كما سبق (بندقة لفلان جاز) لحصول الغرض به.

(وإن كانت السهام الثلاثة مختلفة كنصف وثلث وسدس: جزأ) القاسم (المقسوم ستة أجزاء) كما سبق، (وأخرج الأسماء على السهام لا غير)، أي لا يجوز غيره" انتهى.

فلا حرج في إجراء القرعة باستعمال عملة معدنية، إذا كان الاقتراع بين شخصين أو شيئين، فتكون صورة الكتابة لشخص، والصورة الأخرى للشخص الآخر، وتلقى العملة، فما كان من الوجهين أعلى، فصاحبه هو المختار بالقرعة، أو هو الذي وقع عليه الاقتراع.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب