الحمد لله.
أولا:
ضابط السلس: هو ملازمة الحدث جميع الوقت، بحيث لا يجد صاحبه وقتا يتسع لطهارته وصلاته.
فإن وجد وقتا يتسع لذلك، فليس بصاحب سلس، ويلزمه أن يوقع الصلاة في هذا الوقت.
وينظر: "تبيين الحقائق" (1/65)، "مغني المحتاج" (1/ 283)، "مطالب أولي النهى" (1/ 266).
فإن لازمه أكثرَ الوقت، وكان ينقطع وقتا يتسع للطهارة والصلاة، لكن لا ينضبط له هذا الوقت، بل هو انقطاع غير منتظم: فله حكم السلس عند بعض الفقهاء، وهو مذهب الحنابلة.
قال في "مطالب أولي النهى" (1/ 457) ط قطر:" (ولا أثر لانقطاع) حدثٍ دائم، زمناً (لا يتسع لفعل) وضوء وصلاة، لكنه يمنع الشروع في الصلاة، والمضي فيها، لاحتمال استمراره .
ولا أثر لانقطاع (مختلِف بتقدم وتأخر، وقلة وكثرة، ووجود مرة وانعدام أخرى، وعدم عادة مستقيمة) باتصال أو انقطاع؛ فهذه كمن عادتها الاتصال في الدم، في بطلان الوضوء بالانقطاع المتسع للوضوء والصلاة، دون ما [لا] يتسع لهما. وحكمها كمن عادتها الاتصال في سائر ما تقدم، إلا أنها لا تُمنع من الدخول في الصلاة، ولا من المضي فيها بمجرد الانقطاع، قبل تبين اتساعه للوضوء والصلاة، لعدم انضباط هذا الانقطاع، فيفضي لزوم اعتباره إلى الحرج والمشقة" انتهى. وينظر: "الشرح الكبير" (2/463).
ثانيا:
يتوضأ صاحب السلس بعد دخول الوقت.
وهل يلزمه أن يبادر بالصلاة عقب الوضوء؟
أوجب ذلك الشافعية، ولم يوجبه غيرهم.
قال النووي رحمه الله في "المنهاج": "وتتوضأ وقت الصلاة، وتبادر بها، فلو أخرت لمصلحة الصلاة، كستر وانتظار جماعة: لم يضر، وإلا؛ فيضر على الصحيح".
قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (1/ 282): "(تبادر بها) أي بالصلاة وجوبا، تقليلا للحدث؛ لأنه يتكرر منها، وهي مستغنية عنه بالمبادرة، بخلاف المتيمم السليم؛ لانتفاء ما ذكر. أما غير السليم فالحكم فيه كما هنا.
(فلو أخرت لمصلحة الصلاة، كستر) لعورة وإقامة (وانتظار جماعة) واجتهاد في قِبْلة، وذهاب إلى مسجد، وتحصيل سترة: (لم يضر) لأنها لا تعد بذلك مقصرة...
(وإلا) بأن أخرت، لا لمصلحة الصلاة، كأكل وشرب وغزل وحديث: (فيضر) التأخير (على الصحيح)، فيَبْطل وضوؤها؛ فتجب إعادته وإعادة الاحتياط لتكرر الحدث والنجس مع استغنائها عن احتمال ذلك بقدرتها على المبادرة" انتهى.
ولم يوجب ذلك الجمهور، فلو توضأت بعد الوقت، وانشغلت بحديث أو أكل أو غيره: فلا يضر، وهو الوجه الثاني للشافعية.
قال المرداوي رحمه الله في "الإنصاف" (1/ 380): " الأَولى لها: أن تصلي عَقِيب طهارتها.
فإن أخرت لحاجة، من انتظار جماعة أو لسترة أو توجّه، أو تنفّل ونحوه، أو لما لا بد منه: جاز. وإن كان لغير ذلك: جاز أيضا، على الصحيح من المذهب، صححه المجد في شرحه، وابن تميم، وفي مجمع البحرين، وقدمه في الفروع.
وقيل: لا يجوز، وأطلقهما في الرعايتين والفائق" انتهى.
وينظر: "المغني" (1/ 248).
والحاصل: أن المبادرة إلى الصلاة عقيب الوضوء أولى، ولا تجب إلا عند الشافعية؛ خلافا للجمهور.
والله أعلم.
تعليق