الحمد لله.
أولاً:
إذا نسي المصلي سجدة التلاوة أو تركها عمداً وركع، فلا يجوز له أن يسجد وقد تلبس بالركوع، وكان الواجب على الإمام أن يستمر في صلاته دون سجود التلاوة؛ لأنّ في انتقاله من الركوع إلى سجود التلاوة زيادة ركن في الصلاة، وهو الركوع ، لأنه سيركع مرتين ، كما أن فيه إخلالا بهيئة الصلاة ، وانتقالا عن ركن ليأتي سنة، وهذا لا يجوز.
قال ابن قدامة رحمه الله: "والزيادات على ضربين؛ زيادة أفعال، وزيادة أقوال.
فزيادات الأفعال قسمان: أحدهما، زيادة من جنس الصلاة، مثل أن يقوم في موضع جلوس، أو يجلس في موضع قيام، أو يزيد ركعة أو ركنا، فهذا تبطل الصلاة بعمده، ويسجد لسهوه، قليلا كان أو كثيرا" انتهى من "المغني" (2/ 426).
وقال النووي في المجموع: "فلو قرأ السجدة فلم يسجد، ثم بدا له أن يسجد: لم يجز، لأنه تلبس بالفرض، فلا يتركه للعود إلى سنة.
ولأنه يصير زائدا ركوعا.
فلو بدا له قبل بلوغ حد الراكعين جاز" انتهى من "المجموع" (4/ 58).
وقال المواق المالكي رحمه الله: "والذي نسي التكبير في صلاة العيد، والذي نسي سجود التلاوة...، فذكر ذلك وهو راكع، فإنه يتمادى في ذلك كله" انتهى من "التاج والإكليل" (2/ 334).
فإن كان الإمام فعل ذلك وهو عالم بالحكم فصلاته باطلة، وإن كان جاهلاً –وهو الغالب-فصلاته صحيحة لعذره بالجهل.
وأما المأمومون، فمن علم أنه ركع ثم سجد للتلاوة، فالواجب عليه مفارقته، فإن لم يفعل فقد بطلت صلاته إن كان عالماً بخطأ ما فعله إمامه، وخطأ ما فعله هو ، وعليه إعادتها.
وإن كان جاهلاً فصلاته صحيحه، ولو بطلت صلاة إمامه.
ومن لم يعلم أن الإمام ركع ثم سجد للتلاوة، وتابعه؛ فصلاته صحيحة بكل حال.
قال ابن قدامة رحمه الله: "فإن مضى في موضع يلزمه الرجوع، أو رجع في موضع يلزمه المضي، عالما بتحريم ذلك، فسدت صلاته؛ لأنه ترك واجبا في الصلاة عمدا.
وإن فعل ذلك معتقدا جوازه، لم تبطل؛ لأنه تركه من غير تعمد" انتهى من "المغني" (2/ 425).
وقال: "إذا سبح به المأمومون فلم يرجع، في موضع يلزمه الرجوع: بطلت صلاته. نص عليه أحمد.
وليس للمأمومين اتباعه، فإن اتبعوه: لم يَخلُ من أن يكونوا عالمين بتحريم ذلك، أو جاهلين به، فإن كانوا عالمين بطلت صلاتهم؛ لأنهم تركوا الواجب عمدا...
وإن تابعوه جهلا بتحريم ذلك، فإن صلاتهم صحيحة؛ لأن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- تابعوه في التسليم في حديث ذي اليدين، وفي الخامسة في حديث ابن مسعود، فلم تبطل صلاتهم" انتهى من "المغني" لابن قدامة (2/ 413-414).
ثانياً:
إذا فعل الإمام ذلك بناء على جوازه وصحته في اعتقاده، أو في مذهبه الذي يتفقه به، كما هو مذهب الأحناف وبعض المالكية الذين يجيزون انتقال المصلي من الركوع إلى سجود التلاوة إن نسيه: فصلاته صحيحة؛ لأن تبع قولا معتبرا، ومذهبا معتدا به، وفعل ما يتدين هو به.
قال الزرقاني المالكي رحمه الله: "إن تركها -سجدة التلاوة-من أول الأمر، سهوًا، ونوى الركوع: اعتد به؛ أي بالركوع، ويمضي عليه.
ويرفع له، عند مالك من رواية أشهب ، لا عند ابن القاسم؛ لأنّ نيته الركوعَ إنما كانت سهوًا عن السجدة؛ فلا يعتد به، لعدم قصد الحركة له، فيخر ساجدًا، ثم يقوم فيقرأ شيئًا، ويركع، ويسجد بعد السلام، إن طول في انحنائه" انتهى من "شرح الزرقاني على مختصر خليل" (1/ 488).
وينظر : "العناية شرح الهداية" (1/508).
وصلاة المأمومين صحيحة بكل حال، متى فعل الإمام ذلك معتقدا جوازه، ولو لم يكن المأموم يرى جواز ذلك في نفسه، ومذهبه الذي يعمل به؛ ويجب عليه أن يتابع إمامه في مثل ذلك.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " عن أهل المذاهب الأربعة: هل تصح صلاة بعضهم خلف بعض؟ ... وإذا فعل الإمام ما يعتقد أن صلاته معه صحيحة والمأموم يعتقد خلاف ذلك. فهل يجوز ذلك؟ وهل تصح الصلاة خلفه؟ أم لا؟
فأجاب: نعم تجوز صلاة بعضهم خلف بعض، كما كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن بعدهم من الأئمة الأربعة يصلي بعضهم خلف بعض، مع تنازعهم في هذه المسائل المذكورة وغيرها.
ولم يقل أحد من السلف إنه لا يصلي بعضهم خلف بعض، ومن أنكر ذلك فهو مبتدع ضال، مخالف للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها.
وقد كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم: منهم من يقرأ البسملة ومنهم من لا يقرؤها، ومنهم من يجهر بها ومنهم من لا يجهر بها، وكان منهم من يقنت في الفجر ومنهم من لا يقنت، ومنهم من يتوضأ من الحجامة والرعاف والقيء ومنهم من لا يتوضأ من ذلك...." انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/ 373-375).
والله أعلم.
تعليق