الحمد لله.
الواجب في الوضوء: غسل الأعضاء بالماء، وذلك لا يكون إلا بسيلان الماء، وجريانه على الأعضاء؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6
فلا يكفي حصول البلل؛ لأنه – حينئذ – مسح، وليس غَسلا.
وعليه، فإن كان الثلج خفيفا، بحيث إذا أُمرّ على العضو ذاب وجرى الماء على جميع العضو، صح الوضوء به.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (1/ 16): " الذائب من الثلج والبرد: طهور؛ لأنه ماء نزل من السماء، وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد متفق عليه.
فإن أخذ الثلج فأمرّه على أعضائه: لم تحصل الطهارة، ولو انبل به العضو؛ لأن الواجب الغَسل، وأقل ذلك أن يجري الماء على العضو، إلا أن يكون خفيفا، فيذوب، ويجري ماؤه على الأعضاء، فيحصل به الغَسل، فيجزئه " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في المجموع (1/ 81): "قال أصحابنا: إذا استعمل الثلج والبرد قبل إذابتهما، فإن كان يسيل على العضو لشدة حر، وحرارة الجسم، ورخاوة الثلج: صح الوضوء على الصحيح، وبه قطع الجمهور؛ لحصول جريان الماء على العضو.
وقيل: لا يصح؛ لأنه لا يسمى غَسلا، حكاه جماعة، منهم أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري صاحب الحاوي، وأبو الفرج محمد بن عبد الواحد بن محمد الدارمي صاحب الاستذكار، وهما من كبار أئمتنا العراقيين، وعزاه الدارمي إلى أبي سعيد الإصطخري.
وإن كان لا يسيل: لم يصح الغسل بلا خلاف، ويصح مسح الممسوح، وهو الرأس والخف والجبيرة.
هذا مذهبنا.
وحكى أصحابنا عن الأوزاعي: جواز الوضوء به، وإن لم يسل، ويجزئه في المغسول والممسوح. وهذا ضعيف أو باطل، إن صح عنه؛ لأنه لا يسمى غَسلا ولا في معناه" انتهى.
ثانيا:
لا يصح التيمم على الثلج؛ لأن التيمم إنما يكون بالصعيد، وهو التراب، أو أجزاء الأرض عموما، من تراب ورمل وحجر، على الخلاف فيه، والثلج ليس من أجزاء الأرض.
قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) المائدة/7
قال الفيومي في المصباح المنير (1/ 339): "الصعيد: وجه الأرض؛ تراباً كان أو غيره، قال الزجاج: ولا أعلم اختلافاً بين أهل اللغة في ذلك" انتهى.
وقال الباجي رحمه الله في المنتقى (1/ 116): " الصعيد: وجه الأرض، تراباً كان أو رملاً أو حجراً، قاله ابن الأعرابي وأبو إسحاق الزجاج، قال أبو إسحاق: لا أعلم فيه خلافاً بين أهل اللغة " انتهى.
وحكي عن مالك رحمه الله جواز التيمم على الثلج.
قال أبو بكر ابن المنذر رحمه الله في الأوسط (2/ 42): "واختلفوا في التيمم على الثلج، فكان الثوري وإسحاق لا يريان التيمم عليه، وكذا قول قتادة والشافعي، إلا أن يقدر على أن يذيبه فيتوضأ به.
وحكي عن مالك أنه سئل عن التيمم على الحجارة، أو على الثلج، أو على الماء الجامد، إذا لم يجد الصعيد؟
قال: فلا بأس به. قال: وأحب إلي إذا وجد الصعيد أن يتيمم به، مما ذكرت.
قال أبو بكر: لا يجوز التيمم إلا بالتراب؛ لما ذكرت في غير هذا الباب من دليل الكتاب والسنة" انتهى.
وقال الباجي في المنتقى (1/ 116): " وأما الثلج: فقد روى ابن زياد عن مالك في المدونة، وابن وهب عن مالك في المبسوط: ويتيمم به. زاد ابن وهب والجليد.
وذكر الشيخ أبو بكر أن ابن القاسم روى عن مالك لا يجوز التيمم بالثلج.
وجه الرواية الأولى: أن الثلج جامد، إذا قصد المكلف تغيير الماء به لم يسلبه ذلك حكم التطهير؛ فجاز التيمم به حال انفراده، كالتراب.
ووجه الرواية الثانية: أن هذا ليس بصعيد فلم يجز التيمم به كالنبات" انتهى.
وعزا النووي إلى الأوزاعي والثوري جواز التيمم بالثلج.
وينظر: المجموع (2/ 213).
والراجح أنه لا يجوز التيمم بالثلج؛ لأنه ليس من الصعيد.
ثالثا:
إذا لم يجد المتوضئ ماء، ووجد ثلجا، ولم يجد ما يُذيبه به، وخشي خروج الوقت، فهل يباح له التيمم بالتراب، أم يمسح أعضاءه به ويعيد الصلاة؟
على قولين للفقهاء:
قال النووي رحمه الله في الموضع السابق: " قال الدارمي: ولو كان معه ثلج أو برَد لا يذوب، ولا يجد ما يسخنه به، صلى بالتيمم.
وفي الإعادة أوجه: ثالثها: يعيد الحاضر دون المسافر، بناء على التيمم لشدة البرد.
ووجه الإعادة ندور هذا الحال. قلت: أصحها الثالث" انتهى.
أي يعيد الحاضر دون المسافر.
وقال البهوتي رحمه الله في كشاف القناع (1/ 173): " (ولو وجد ثلجا وتعذر تذويبه، لزمه مسح أعضائه) الواجب غسلها (به)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم؛ لأنه ماء جامد تعذر أن يستعمل الاستعمال المعتاد، وهو الغَسل، لعدم ما يذيبه؛ فوجب أن يستعمل الاستعمال المقدور عليه.
(ويعيد) الصلاة إن لم يجر على الأعضاء بالمس؛ لأنه صلى مع وجود الماء في الجملة، بلا طهارة كاملة...
(وإن كان) الثلج (يجري) أي: يسيل على الأعضاء (إذا مس يده) وغيرها من باقي الأعضاء (لم يُعد) الصلاة حيث جرى بالمس؛ لوجود الغَسل المأمور به، وإن كان خفيفا" انتهى.
والله اعلم.
تعليق