الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

لماذا تحدّ الأمة إذا زنت نصف حد الحرة؟

508000

تاريخ النشر : 26-07-2024

المشاهدات : 1776

السؤال

لماذا حد الزنا على الإماء نصف الحد على الحرائر؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

تحدّ الامة نصف حدّ الحرة إذا زنت؛ بنص القرآن الكريم .

قال الله تعالى:

(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النساء/25.

وإذا جاء النص من الله بحكم: فهذا يكفي المؤمن المتيقن بأن الله تعالى كامل العلم والحكمة والعدل، كما كان حال الصحابة رضوان الله عليهم فلم يكونوا يستفصلون عن الحكمة من كل أمر أو نهي يخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى:

" اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله، على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع. ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت وسلمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك " انتهى. "شرح الطحاوية" (ص 261).

والأمة مأمورة بالتقوى واجتناب الفواحش كالحرة، ولذا شرع عليها الحد إذا زنت.

وما دام الشرع قد فرق بينهما في المقدار فلا شك أن هناك حكمة بالغة وإن غابت عنا.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" قد استقرت شريعته سبحانه أن حكم الشيء حكم مثله، فلا تفرق شريعته بين متماثلين أبدا، ولا تجمع بين متضادين ... فبحكمته وعدله ظهر خلقه وشرعه، وبالعدل والميزان قام الخلق والشرع، وهو التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين " انتهى. "زاد المعاد" (4 / 248).

ثانيا:

اجتهد أهل العلم في تلمّس وجه الحكمة في هذا التفريق.

فقيل: لأن النعمة على الحر بالحرية أعظم، فتكون عقوبته أعظم.

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" وقيل:

لأن العقوبة تجب على قدر النعمة، ألا ترى أن الله تعالى قال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ( يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ): فلما كانت نعمتهن أكثر جعل عقوبتهن أشد، وكذلك الأمة؛ لما كانت نعمتها أقل فعقوبتها أقل " انتهى. "تفسير القرطبي" (6/241).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" وأما الحدود، فلما كان وقوع ‌المعصية ‌من ‌الحر أقبح من وقوعها من العبد، من جهة كمال نعمة الله عليه بالحرية، وأن جعله مالكا لا مملوكا، ولم يجعله تحت قهر غيره وتصرّفه فيه، ومن جهة تمكّنه بأسباب القدرة من الاستغناء عن المعصية بما عوّض الله عنها من المباحات، فقابل النعمة التامة بضدّها، واستعمل القدرة في المعصية فاستحقّ من العقوبة أكثر مما يستحقّه من هو أخفض منه رتبة وأنقص منزلة. فإن الرجل كلما كانت نعمة الله عليه أتمّ كانت عقوبته إذا ارتكب الجرائم أتمّ ... " انتهى. "أعلام الموقعين" (2/430).

ويحتمل أيضا أن وجه الحكمة ما أشار إليه ابن القيم، وهي أن الحر له من القدرة على إحصان نفسه بالزواج والتعدد ما ليس للعبد، والحرة عادة لا يوجد ما يمنعها من الزواج ومطالبة زوجها بحقها في الجماع، والأمة لا تستطيع أن تصل إلى هذا المراد كاستطاعة الحرة فهي تحت سلطان سيدها.

وقيل: لأن الحرة تملك عادة من الحياء ما يردعها عن سبل الفواحش، والأمة أضعف حالا في هذا الجانب بسبب الرق، فروعي حالهما.

قال الإمام أبو القاسم الرافعي رحمه الله تعالى:

" والحرية تغلِّظ الجناية من وجهين:

أحدهما: أنها تمنع من الفواحش؛ لأنَّها صفة كمال وشرف، والشريف يصون نفسه عما يدنّس عرضه، والرقيق مبتذل مهان لا يتحاشى، عما يتحاشى منه الحرّ، ولذلك قالت هند عند البيعة: أو تَزْنِي الحُرَّةُ؟.

والثاني: أنها توسِّع طريق الحلال؛ ألا ترى أن الرقيق يحتاج في النكاح إلى إذن السيّد، ولا ينكح إلا امرأتين بخلاف الحرّ، ومن ارتكب الحرام مع اتساع طريق الحلال، كانت جنايته أغلظ " انتهى. "العزيز شرح الوجيز" (11/131).

الخلاصة:

الثابت في الشرع أن حد الأمة إذا زنت نصف حد الحرة؛ لأن القرآن الكريم نص على هذا التفريق، والشرع لم يفرق بينهما إلا لحكمة بالغة، وقد ذكر أهل العلم عدة حكم من هذا التفريق .

والله أعلم.


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب