الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل صحيح أن الذي حرَّم نكاح المتعة هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟

508425

تاريخ النشر : 29-07-2024

المشاهدات : 5315

السؤال

أريد أن أسأل عن زواج المتعة، كلنا يعلم أنّ زواج المتعة محرم، وحرمه النبي صلى الله عليه وسلم بعد تحليله، وموجود ذلك في صحيح البخاري، ومسلم، ولكن في عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان زواج المتعة موجودا، ولم ينهِ عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وفي عهد عمر بن الخطاب حُرم بعد انقضاء فترة من خلافته، فإن كان أبو بكر لا يعلم بتحريمه، فمن الذي أخبر عمر أنّه محرم؟

الجواب

الحمد لله.

روى الإمام مسلم (1405) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ ، قَالَ: " كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ، الْأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ".

ويؤيد هذا ما رواه الإمام مالك في "الموطأ" (2 / 542): عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: "أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: إِنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَزِعًا، يَجُرُّ رِدَاءَهُ، فَقَالَ: هَذِهِ الْمُتْعَةُ. وَلَوْ كُنْتُ ‌تَقَدَّمْتُ ‌فِيهَا، ‌لَرَجَمْتُ".

وهذا يثبت أن من المسلمين من تزوج زواج المتعة، بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم في عهد أبي بكر، وفي شطر من خلافة عمر، حتى نهاهم عمر رضي الله عنه.

وهذه القضايا قد يُتوهم منها أن عمر رضي الله عنه نهى عن زواج المتعة عن اجتهاد منه ورأي، وهذا وهم يرده ما عرف من أصول الشرع أنه ليس لأحد سواء من الصحابة أو من بعدهم أن يحرم حلالا.

فنهي عمر رضي الله عنه عن المتعة إنما هو اتباع لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها.

روى البخاري (5115)، ومسلم (1407) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه، قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: "إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، زَمَنَ خَيْبَرَ ".

ورواه الترمذي (1121)، ثم قال عقبه: " حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْءٌ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي الْمُتْعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ حَيْثُ أُخْبِرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " انتهى.

وبوّب عليه البخاري بقوله: " بَابُ نَهْيِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ آخِرًا ".

وروى الإمام مسلم (1406) عن الرَّبِيع بْن سَبْرَةَ الْجُهَنِيّ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ:  "أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ).

والأصل أن عمر رضي الله عنه علم بحرمة نكاح المتعة من النبي صلى الله عليه وسلم، كما يشير إلى هذا ما رواه ابن ماجه (1963) عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَذِنَ لَنَا فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا، ثُمَّ حَرَّمَهَا، وَاللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَتَمَتَّعُ وَهُوَ مُحْصَنٌ إِلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَنِي بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَحَلَّهَا بَعْدَ إِذْ حَرَّمَهَا".

وسبب تمتع من تمتع في عهد أبي بكر وشطر من خلافة عمر، هو أنه لم يبلغهم النهي، مع قِلَّة وقوع ذلك؛ حتى رفعت قضية متعلقة به إلى عمر رضي الله عنه كما سبق فأشاع حكم الشرع فيها، ولهذا نظائر فقد تجد الصحابي يغيب عنه حديث زمنا حتى يخبره به غيره، فلم يكن كل الصحابة ملمين بكل السنة، ولهذا نشأت الرحلة في طلب الحديث في عهد الصحابة رضوان الله عليهم.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" وفي هذا الحديث [حديث سبرة الجهني] … وفيه التصريح بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة، وأنه يتعين تأويل قوله في الحديث السابق: ( أنهم كانوا يتمتعون إلى عهد أبي بكر وعمر ) على أنه لم يبلغهم الناسخ كما سبق " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (9 / 186).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" لعلّ جابرا ومن نُقِل عنه استمرارهم على ذلك بعده صلى الله عليه وسلم، إلى أن نهى عنها عمر= لم يبلغهم النّهي.

وممّا يستفاد أيضا أنّ عمر لم ينه عنها اجتهادا، وإنّما نهى عنها ‌مستندا ‌إلى ‌نهي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وقد وقع التّصريح عنه بذلك فيما أخرجه ابن ماجه من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:( لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ خَطَبَ فَقَالَ: إنّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لَنَا فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا، ثُمَّ حَرَّمَهَا ) وأخرج ابن المنذر، والبيهقيّ من طريق سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قال: ( صَعِدَ عُمَرُ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْكِحُونَ هَذِهِ الْمُتْعَةَ بَعْدَ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا ) " انتهى. "فتح الباري" (9 / 172).

ثم إن ابن عمر رضي الله عنه لما سُئل عن المتعة، لم يستدل على النهي عنها بقضاء والده، وإنما بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

فعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا أَظُنُّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَفْعَلُ هَذَا، قَالُوا: بَلَى، إِنَّهُ يَأْمُرُ بِهِ، فَقَالَ: وَهَلْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَّا غُلَامًا صَغِيرًا إِذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ( نَهَانَا عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا كُنَّا ‌مُسَافِحِينَ ) رواه أبو عوانة "المستخرج" (11 / 246)، والطبراني "المعجم الأوسط" (9 / 119)، واللفظ للطبراني.

وقوّى إسناده الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (5 / 2270).

وأما عدم نهي أبي بكر عنها، فإنه رضي الله عنه لم تطل سنوات خلافته، وشغل جدا بحروب الردة ثم الشروع في الفتوحات، فلذا لم تنقل عنه أقضية وفتاوى كثيرة.

وأما عمر رضي الله عنه فإنه قد طال زمن خلافته، واستقر له الأمر، فتيسر له أن ينظر في أحوال الناس، فكثرت واشتُهرت أقضيته رضي الله عنه.

والخلاصة:

أن نكاح المتعة ثبتت حرمته بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما خفيت حرمته على بعض الصحابة فاستمروا على هذا النكاح إلى زمن عمر رضي الله عنه، فأشهر حرمة هذا النكاح بين الناس حتى علم ومضى على هذا سبيل المؤمنين إلى يومنا هذا، وأما في عهد أبي بكر فلم يقض فيها، فلعل ذلك راجع إلى قصر مدة حلافته وانشغاله والمسلمين بحروب الردة وغيرها، فلم يتيسر أن ترفع له قضية متعلقة بنكاح المتعة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب