الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

ما المراد بقول ابن عباس: ( كان عرش الله على الماء، ثم اتَّخذ لنفسه جنة...)؟

512127

تاريخ النشر : 08-09-2024

المشاهدات : 598

السؤال

ما معنى قول ابن عباس في الأثر الذي رواه سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس في قوله: (وكان عرشه على الماء)، قال ابن عباس: \”كان عرش الله على الماء، ثم اتَّخذ لنفسه جنة، ثم اتَّخذ دونها أخرى، ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة، قال: (ومن دونهما جنتان) الرحمن/٦٢، قال: وهي التي لا تعلم نفس -أو قال: وهما التي لا تعلم نفس- ما أُخْفِيَ لهم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ جزاء بما كانوا يعملون. قال: وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيها -أو ما فيهما-، يأتيهم كل يوم منها -أو منهما\”؟

ملخص الجواب

الخبر ليس بصحيح، لكن ما أشار إليه من عموم كون عرش الرحمن كان على الماء، ثم خلق الله تعالى جنتين لعباده المقربين، وفوقهما عرش الرحمن: قد ثبت ذلك بنصوص القرآن والسنة الثابتة.

الجواب

الحمد لله.

هذا الخبر رواه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (ص152)، قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، أخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.

والطبري في "التفسير" (12 / 333)، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ منصورٍ، قال: حدَّثنا إسحاقُ بنُ سليمانَ، قال: حدَّثنا عمرُو بنُ أبي قيسٍ، عن ابنِ أبي ليلى.

وأبو الشيخ في "العظمة" (2 / 596)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.

ورواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في "العرش وما روي فيه" (ص311)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.

وابْنُ أَبِي لَيْلَى يرويه، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) قَالَ: ( [ كَانَ عَرْشُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ ] اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جَنَّةً ثُمَّ اتَّخَذَ دُونَهَا أُخْرَى، أَطْبَقَهَا بِلُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ قَرَأَ: ( وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ )، وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عز وجل: ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )، وَهِيَ الَّتِي لَا يَعْلَمُ الْخَلَائِقُ مَا فِيهَا فَيَأْتِيهِمْ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا تُحْفَةٌ أَوْ تَفَضُّلٌ أَوْ تَحِيَّةٌ ).

وهذا الخبر مداره على ابن أبي ليلى، وهو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو موصوف بسوء الحفظ.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي: صدوق، إمام، سيء الحفظ؛ وقد وُثّق.

قال شعبة: ما رأيت أسوأ من حفظه. وقال القطان: سيء الحفظ جدا. وقال ابن معين: ليس بذاك. وقال النسائي، وغيره: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: رديء الحفظ، كثير الوهم. وقال أبو أحمد الحاكم: عامة أحاديثه مقلوبة " انتهى. "المغني في الضعفاء" (2/603).

فالخبر إسناده ليس بصحيح.

لكن عموم معناه من أن عرش الرحمن – قبل خلق السماوات والأرض والجنة – : كان على الماء ثابت بنص الوحي، كما هو مبيّن في الخبر.

قال الله تعالى:

( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) هود/7.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقال مجاهد: ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) قبل أن يخلق شيئا.

وكذا قال وهب بن منبه، وضمرة بن حبيب، وقاله قتادة، وابن جرير، وغير واحد.

وقال قتادة في قوله: ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) ينبئكم كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض " انتهى. "تفسير ابن كثير" (4 / 307).

ثم إنه سبحانه وتعالى خلق جنتين للمقربين من عباده وفوقها عرش الرحمن، وهذا ثابت بالوحي أيضا.

قال الله تعالى: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) الرحمن/46.

روى البخاري (4878)، ومسلم (180) عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ ).

وكما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا).

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ؟

قَالَ: إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ – أُرَاهُ قال: وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ – وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ ) رواه البخاري (2790) .

وأما ما جاء في الأثر المذكور، من أن الله جل جلاله قد "اتخذ جنة لنفسه": فالإضافة هنا يراد بها: التشريف، والاصطفاء؛ أي: أن هذه الجنة المشار إليها: هي خير جنان الخلد التي أعدها الله لعباده، ليسكنوها. وهي من باب: بيت الله، وناقة الله، ونحو ذلك؛ مما يراد به تعظيم الشيء، وبيان علو منزلته؛ فيضاف إلى رب العالمين؛ إضافة تشريف، وتكريم، وتعظيم منزلة؛ لا أن الله جل جلاله جعلها لنفسها ليسكنها؛ فجل الله أن يحيط به شيء من مخلوقاته، أو يحل فيها؛ بل عرشه سبحانه وتعالى أعلى الجنان كلها، وهو فوقها جميعها، وليس فيها؛ وهو تعالى مستو على عرشه، فوق الخلائق جميعا.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (384726)، ورقم: (146074).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب