الحمد لله.
أولاً:
قد تضطرب عادة المرأة لأسباب كثير فتزيد تارة وتنقص تارة، فإذا بدأتْ في الحيض فالأصل بقاؤه حتى ترى الطهر -القصة البيضاء-، أو الجفاف إذا لم يكن لها عادة برؤية القصة البيضاء.
قال البخاري رحمه الله:
"بَاب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ، وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ ، فَتَقُولُ : لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ . تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ" .
ولا يؤثر اختلاف لون الدم خلال فترة الدورة، فقد يتغير لون الدم الخارج بعد مضي أيام من الدورة.
وعليه؛ فإذا نزل الحيض على امرأة، فإنها لا تزال حائضا، حتى ترى طهرها الذي تعرفه، إما بالجفاف التام، وخروج القطنة نقية، أو بنزول القصة البيضاء، التي تنزل عقب الحيض.
فإذا لم تر شيئا من علامات طهرها، فإنها تمكث على أحكام الحائض، فتدع الصوم والصلاة، حتى ترى الطهر، أو تبلغ عدة أيام حيضتها: خمسة عشر يوما؛ ثم تتطهر بعدها، ولو لم تر شيئا من علامات الطهر، وما زاد على خمسة عشر يوما، فإنه يكون استحاضة.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وأقل الحيض: يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوما، هذا الصحيح من مذهب أبى عبد الله، وقال الخلال: مذهب أبى عبد الله لا اختلاف فيه، أن أقل الحيض يوم، وأكثره خمسة عشر يوما" انتهى من "المغني" (1/388).
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أتت الدورة الشهرية واستمرت معي إلى الآن وقد مضى عليها اثنا عشر يوماً حتى هذا اليوم، وهذه المرأة عادتها سبعة أيام فقط، ولم تصل خلال السبعة الأيام الأولى، ثم اغتسلت وصلت بناءً على عادتها دائماً، فهل ما فعلته صحيح؟ وهل تصوم أو لا؟ وهل تحل لزوجها خلال الأيام الباقية؟ أفتنا مأجوراً بارك الله فيك.
فأجاب: عملها هذا صحيح لو تعدى الدم خمسة عشر يوماً، أما قبل الخمسة عشر يوماً فإنه يحتمل أن العادة زادت، والنساء تزيد عادتهن أحياناً وتنقص أحياناً.
فنقول لهذه المرأة: انتظري حتى تتمي خمسة عشر يوماً، فإذا أتممت خمسة عشر يوماً، فاغتسلي وصلي، وفي الشهر الثاني اجلسي عادتك فقط، لأنه لا يصدق أن المرأة مستحاضة حتى تتجاوز نصف المدة، خمسة عشر يوماً، فإذا تجاوزت نصف المدة صار أكثر وقتها دماً، وحينئذٍ ترجع إلى عادتها من قبل أن يأتي هذا المرض، ولا تحل لزوجها حتى تتم خمسة عشر يوماً ثم تغتسل فتحل، فإذا جاء الشهر الثاني فإنها تجلس عادتها فقط ثم تغتسل وتصلي وتحل لزوجها" انتهى من "اللقاء الشهري" (20/69).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (329200).
ثانياً:
إذا استمر الدم أكثر من خمسة عشر يوما ولم تر المرأة الطهر فذلك استحاضة، وتلزمها أحكام المستحاضة، كما سبق. ومن حين تعلم أنها استحاضة، فإنها تجلس قدر ما كانت تحسبها حيضتها، قبل أن تضطرب، ستة أيام، أو سبعة أيام، أو ما اعتادته هي قبل ذلك، ثم تتطهر، وتصلي.
فإذا لم يكن لها عادة منتظمة قبل ذلك، فإنها ترجع إلى صفات الدم، فما كان بصفة دم الحيض، فهو حيض، وما كان بخلاف ذلك، فهو استحاضة.
فإن أشكل عليها الأمر، ولم يكن لها عادة منتظمة، ولا استطاعت أن تميز صفات دم الحيض، من دم الاستحاضة، فإنها تعمل بالعادة الغالبة عند قريباتها من النساء اللواتي لهن عادة منتظمة؛ فتجعلها مدة حيضها.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (456613)، ورقم: (482892).
ثالثا:
المستحاضة إذا تطهرت من الحيض، فإنها بعد ذلك إذا دخل وقت الصلاة تتحفظ وتتوضأ عند دخول وقت كل صلاة عند أكثر أهل العلم، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة؛ لأن وضوءها يتنقض بدخول وقت الصلاة الثانية، ولا يلزمها الغسل.
لحديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: «لَا، إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي»، قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي حَدِيثِهِ: وَقَالَ: (تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ). رواه الترمذي (125).
وقال حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ: أَنَّ المُسْتَحَاضَةَ إِذَا جَاوَزَتْ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا اغْتَسَلَتْ وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ. والحديث صححه الألباني. انظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" (3/211).
قال ابن عبد البر رحمه الله:
"وأما الأحاديث المرفوعة في إيجاب الغسل لكل صلاة، وفي الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، وفي الوضوء لكل صلاة على المستحاضة، فكلها مضطربة، لا تجب بمثلها حجة" انتهى من "التمهيد" (10/136).
وقال النَّووي: "قال ربيعة ومالك وداود: دمُ الاستحاضة لا ينقُض الوضوء، فإذا تطهَّرَت، فلها أن تصلِّيَ بطهارتِها ما شاءت من الفرائِضِ إلى أن تُحدِث بغيرِ الاستحاضة" انتهى من "شرح النووي على مسلم" (4/18).
رابعاً:
يجوز للمستحاضة أن تجمع بين الصلاتين بوضوء واحد، إذا شق عليها أن تتطهر لكل صلاة، ولا يؤثر خروج الدم أثناء الصلاة أو بين الصلاتين.
قال البهوتي رحمه الله: "يجوز الجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما وبين العشاءين في وقت إحداهما، فهذه الأربع هي التي تجمع: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء في وقت إحداهما ، إما الأولى، ويسمى جمع التقديم، أو الثانية، ويقال له جمع التأخير في ثمان حالات: …، والحالة الثانية: المريض يلحقه بتركه أي الجمع مشقة وضعف؛ لأن "النبي – صلى الله عليه وسلم – جمع من غير خوف ولا مطر، وفي رواية "من غير خوف ولا سفر" رواهما مسلم من حديث ابن عباس، ولا عذر بعد ذلك إلا المرض. وقد ثبت جواز الجمع للمستحاضة وهي نوع مرض واحتج أحمد بأن المرض أشد من السفر" انتهى من "كشاف القناع" (2/ 5).
وقال رحمه الله:
"والمستحاضة ونحوها ممن به سلس بول أو مذي أو ريح أو جرح لا يرقأ دمه أو رعاف دائم تغسل فرجها لإزالة ما عليه من الحدث وتعصبه عصبا يمنع الخارج حسب الإمكان، فإن لم يمكن عصبه كالباسور صلى حسب حاله…، وتتوضأ لـ دخول وقت كل صلاة إن خرج شيء وتصلي ما دام الوقت فروضا ونوافل" انتهى من "الروض المربع" (ص:57).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين (الظهر والعصر) والعشاءين (المغرب والعشاء) لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة" انتهى. من "الشرح الممتع" (4/ 559).
وقال رحمه الله: " وأما جواز جمعها بين الصلاتين لمشقة الوضوء لكل صلاة فهو جائز، يجوز أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء إذا كان يشق عليها أن تتوضأ لكل صلاة، أما إذا كان لا يشق عليها، فإن الواجب أن تصلي كل صلاة في وقتها" انتهى من "اللقاء الشهري" (19/30).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (298244).
رابعاً:
أما ما يخص حساب الدورة بالحساب الميلادي، فالأصل في الحساب عند المسلمين أن يكون بالشهر الهجري؛ لقول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ البقرة/189.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعليقًا على الآية: "فأخبر أنها مواقيت للناس، وهذا عامٌّ في جميع أمورهم، فجعل الله الأهلة مواقيت للناس في الأحكام الثابتة بالشرع – ابتداءً أو سببًا – من العبادة، وللأحكام التي ثبتت بشروط العبد، فما ثبت من الموقتات بشرع أو شرط، فالهلال ميقات له، وهذا يدخل فيه الصيام، والحج، ومدة الإيلاء والعدة، وصوم الكفارة والزكاة، والجزية، والعقل، والخيار، والأيمان، وأجل الصُّداق، وسائر ما يؤجل من دين وعقد وغيرها" انتهى باختصار يسير من "مجموع الفتاوى" (25/133-134).
وعلى ذلك؛ فالمستحاضة: تحتاج أن تعرف الشهر الهجري، لتعرف موضع عادتها من الشهر، إذا كان من أوله، أو وسطه، أو آخره.
وهذا أمر ميسور، لا مشقة فيه الآن، ولو كنت تعيشين في الغرب، فالتقاويم منتشرة على الهواتف، والأجهزة الإلكترونية، وعلى الشبكة، فبإمكانك أن تعرفي أيامك من الشهر، ويسعك إن شاء الله أن تعملي بأحد التقاويم الموثوقة، لتعذر العمل بغير التقاويم، لا سيما لمن كان في مثل حالك.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (292538).
والله أعلم.
تعليق