الحمد لله.
الخطاب الذي يعم الرجال والنساء هو الخطاب المضاف إلى المؤمنين، أو إلى الناس، بخلاف ما لو كان الخطاب بلفظ الرجال، أو بلفظ النساء.
قال ابن قدامة رحمه الله: “ويدخل النساءُ في الجمع المضاف إلى “الناس”، وما لا يتبين فيه لفظ التذكير والتأنيث، كأدوات الشرط.
ولا يدخلن فيما يختص بالذكور من الأسماء، كالرجال، والذكور.
فأما الجمع بالواو والنون، كالمسلمين، وضمير المذكرين، كقوله، تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}: فاختار القاضي أنهن يدخلن فيه، وهو قول بعض الحنفية وابن داود.
واختار أبو الخطاب والأكثرون: أنهن لا يدخلن فيه؛ لأن الله -تعالى- ذكر “المسلمات” بلفظ متميز، فما يثبته ابتداء، ويخصه بلفظ “المسلمين”: لا يدخلن فيه إلا بدليل آخر، من قياس، أو كونه في معنى المنصوص، وما يجري مجراه.
ولنا: أنه متى اجتمع المذكر والمؤنث، غُلِّب التذكير، ولذلك: لو قال، لمن بحضرته من الرجال والنساء: “قوموا واقعدوا”، يتناول جميعهم. ولو قال: قوموا، وقمن، واقعدوا، واقعدن: عُدَّ تطويلًا ولكنةً.
ويبينه قوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} ، وكان ذلك خطابًا لآدم وزجته والشيطان.
وأكثرُ خطاب الله -تعالى- في القرآن بلفظ التذكير، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، و {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} ، و{هُدىً لِلْمُتَّقِين} ، {وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِين} ، {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِين}، والنساء يدخلن في جملته، وذكره لهن بلفظ مفرد، تبيينًا وإيضاحًا: لا يمنع دخولَهن في اللفظ العام الصالح لهن، كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال}؛ وهما من الملائكة” انتهى من “روضة الناظر” (2/ 45).
وقال الأمين الشنقيطي رحمه الله: “خلاصته: أن له طرفين وواسطة:
-طرف يدخل فيه النساء مع الرجال، اتفاقاً، نحو الخطاب بـ (يا أيها الناس)، وكأدوات الشرط نحو (من).
-وطرف لا يدخلن فيه معهم، إجماعاً، نحو: الرجال والذكور، كما لا يدخل الرجال في لفظ النساء والإناث، ونحو ذلك.
– وواسطة: اختُلِف فيها، وهي: الجموع المذكرة ونحوها، وذكر أنه اختيار القاضي وقول بعض الحنفية وابن داوود، وعزا عدم دخولهن للأكثرين، وهو اختيار أبى الخطاب” انتهى من “مذكرة في أصول الفقه”، ص254.
فالخطاب لو كان بلفظ الرجال، لم يدخل فيه النساء، والعكس بالعكس، مثل لو جاء: “أيما رجل” لم تدخل فيه المرأة، أو “أيما امرأة” لم يدخل فيه الرجل.
لكن عدم دخوله أو دخولها في الخطاب الخاص، لا يعني أنه لا يكون مثلها في الحكم؛ بل الأصل أن الأحكام تشملهما، وأن النساء شقائق الرجال، إلا ما دل الدليل أو القرينة على الخصوصية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” والأصل: أن ما ثَبَتَ في حقِّ الرِّجَال ثبت في حقِّ النساء، وما ثبت في حقِّ النساءِ ثَبَتَ في حقِّ الرِّجَال إلا بدليل” انتهى من “الشرح الممتع” (3/ 27).
فقوله صلى الله عليه وسلم: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت رواه ابن حبان، وصححه الألباني في “صحيح الجامع” برقم 660.
لا يدخل فيه الرجل؛ إذ ليس هناك خطاب عام حتى يدخل فيه.
ثم إنه لا يلحق بها في الحكم؛ لقرينة: “وأطاعت زوجها”؛ فإن هذا خاص بالمرأة، ولا ينعكس.
وقوله في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ رواه البخاري (5195)، ومسلم (1026).
لا يلحق الرجل مثله، فلا يلزمه استئذان زوجته في الصوم؛ لأنها هي من تحتاج الإذن، دونه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ رواه مسلم (1218).
لا يلحق الرجل؛ للتمييز بين الحقين في الحديث، فالمرأة لا تأذن لأحد في بيت زوجها إذا كان يكره دخوله، والرجل يفعل في بيته ما يريد.
وكل هذا راجع لما أشرت إليه من القوامة، وإلى الدرجة التي جعلها الله للرجل على المرأة.
ومثل ذلك ما جاء في السؤال، وهو ما روى البخاري (3237)، ومسلم (1736) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ.
فهذا تمييز واضح بين الرجل والمرأة، فهي المأمورة بإجابة دعوته إلا لعذر، ولا يؤمر هو بإجابتها، وإن كان لها عليه حق الإعفاف، فيطؤها بما يعفّها، لكن لا يلزمه كلما دعته أن يجيبها.
وليس هنا عموم حتى يتناولهما، ولا يقاس الرجل على المرأة، للفرق بينهما، كما سيأتي.
والجمهور على أن الزوج لا يلزمه الجماع إلا مرة كل أربعة أشهر.
وقال بعض أهل العلم: بل يجب الجماع بقدر حاجتها، وقدرته، لكن لا يقال: إن الملائكة تلعنه؛ لعدم ورود ذلك.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر، والشهرين، لا يطؤها، فهل عليه إثم أم لا؟ وهل يطالب الزوج بذلك؟
فأجاب: ” يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها.
والوطء الواجب، قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة.
وقيل: بقدَر حاجتها، وقُدْرته، كما يطعمها بقدَر حاجتها، وقُدْرته، وهذا أصح القولين“. انتهى من “مجموع الفتاوى” (32/ 271).
ووجه الفرق بين الرجل والمرأة هنا، المانع من قياس أحدهما على الآخر: ما قاله القرطبيّ رحمه الله في شرح الحديث: “هذا دليلٌ على تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ولا خلاف فيه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228].
والمرأة في ذلك بخلاف الرجل، فلو دعت المرأة زوجها إلى ذلك، لم يجب عليه إجابتها، إلا أن يقصد بالامتناع مضارّتها، فيَحرُم عليه ذلك.
والفرق بينهما: أن الرجل هو الذي ابتغى بماله، فهو المالك للبُضع، والدرجة التي له عليها هي السلطة التي له بسبب مُلْكه.
وأيضًا فقد لا ينشط الرجل في وقت تدعوه، فلا ينتشر، ولا يتهيّأ له ذلك، بخلاف المرأة” انتهى من “المفهم” (4/ 160).
والله أعلم.
تعليق