الحمد لله.
أولاً:
المشروع في حق من دخل في صلاة أن يتمها على ما نواها في أول أمره.
فإن شرع في فريضة، وأراد أن يغير نيته إلى نفل مطلق: كره له ذلك، إن لم يكن له غرض صحيح في تغيير نيته. وقيل: يحرم.
وإن كان له غرض صحيح، كأن شرع في صلاة الفريضة، ثم وجد جماعة يتهيؤون لصلاة الجماعة. أو علم أن الجماعة لم تكن صليت، فأراد أن يدرك الجماعة معهم، وقلب هذه نفلا: جاز في حقه، من غير كراهة.
قال المرداوي في "الإنصاف" (2/27): " إذا أحرم بفرض في وقته ، ثم قلبه نفلا: فتارة يكون لغرض صحيح , وتارة يكون لغير ذلك. فإن كان لغير غرض صحيح ، فالصحيح من المذهب : أنه يصح مع الكراهة.
وأما إذا قلبه نفلاً لغرض صحيح , مثل أن يحرم منفرداً ، ثم يريد الصلاة في جماعة : فالصحيح من المذهب أنه يجوز ، وتصح , وعليه الأصحاب , وأكثرهم جزم به " انتهى.
وقال ابن قاسم في "حاشية الروض" (1/ 572): «يكره قلب فرضه نفلا، لغير غرض صحيح، لكونه أبطل عمله، ويصح، صححه في تصحيح الفروع.
وعنه [أي: رواية عن الإمام أحمد]: يحرم. قال القاضي: رواية واحدة، لقوله: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}» انتهى.
ثانيا:
السنة في صلاة النافلة أن تكون ركعتين ركعتين، وهو الأفضل والأكمل؛ فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الأفضل في نافلة الليل والنهار أن تصلى ركعتين ركعتين، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) رواه أبو داود (1295) وصححه الألباني في صحيح أبي داود، وقال: "إسناده صحيح، وصححه البخاري وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي والخطَّابي" انتهى من "صحيح أبي داود" (5/ 39).
ومعنى ( مثنى مثنى ) أي : ركعتين ركعتين . كذا فسره ابن عمر رضي الله عنهما.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وعند مسلم من طريق عقبة بن حريث قال : قلت لابن عمر : ما معنى مثنى مثنى ؟ قال : تسلم من كل ركعتين " فتح الباري" لابن حجر (2/ 479).
إلا أنهم أجازوا أن تصلى النافلة أربعا متصلة، أو ثلاثاً متصلة، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة.
فقد ثبت من فعل معاذ، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له، فعن جابر رضي الله عنه: "أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ" رواه البخاري (5755)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ومعلوم أن الصلاة الأولى هي الفريضة، والثانية هي النافلة، ولم ينكر عليه" انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (4/ 256):
ومما يدل على ذلك ما صح عند أصحاب السنن في صلاة الخوف عن أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضُهُمْ خَلْفَهُ، وَبَعْضُهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ، فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ"، "وَبِذَلِكَ كَانَ يُفْتِي الْحَسَنُ"، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "وَكَذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ يَكُونُ لِلْإِمَامِ سِتُّ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ ثَلَاثٌ ثَلَاثٌ"، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ قَالَ سُلَيْمَانُ الْيَشْكُرِيُّ: عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أوبو داود وصححه الالباني
قال ابن رسلان رحمه الله: " أراد المصنف بهذا أن يبين أن إعادة الإمام الصلاة بالطائفة الثانية، لا يختص بالصلاة الثنائية؛ بل يجري ذلك في الثلاثية وهي المغرب، وكذا قال أصحابنا -أي الشافعية-" انتهى من "شرح سنن أبي داود لابن رسلان" (6/ 257).
قال الماوردي رحمه الله: "وروي أنه – صلى الله عليه وسلم – صلى بطائفة المغرب ثلاث ركعات وسلم، وصلى بالطائفة الثانية ثلاث ركعات وسلم، ومعلوم أن فرضه – صلى الله عليه وسلم – إحدى الصلاتين، والأخرى نافلة، وكلاهما للمأمومين فريضة" انتهى من "الحاوي الكبير" (2/ 317).
وقال الشوكاني رحمه الله: "وحديث جابر وأبي بكرة: يدلان على أن من صفات صلاة الخوف أن يصلي الإمام بكل طائفة ركعتين، فيكون مفترضا في ركعتين، ومتنفلا في ركعتين.
قال النووي: وبهذا قال الشافعي، وحكوه عن الحسن البصري…، وقال أبو داود في السنن: وكذلك المغرب يكون للإمام ست ركعات وللقوم ثلاث انتهى. وهو قياس صحيح" انتهى من "نيل الأوطار" (3/ 380).
ثانياً:
وإذا تقرر ما سبق، فإنه يجوز في النافلة تغيير النية، بزيادة أو نقص، إذا كانت هناك حاجة معتبرة إلى ذلك؛ ما لم يخالف الصفات الشرعية للصلاة، فلا يصلي إلا وفق ما ورد أربعاً، أو ثلاثاً، ولا يصلي خمسا أو سبعاً إلا في الوتر.
قال البهوتي رحمه الله: "من نوى عددًا نفلًا، ثم زاد عليه: إن كان على وجه مباح، فلا أثر لذلك. وإلا؛ كان مبطلًا له" انتهى من "كشاف القناع" (2/ 472).
وهذا من حيث الجواز.
وأما الأفضلية، فالصفة الأسعد بالدليل أن تصلى النافلة ركعتين ركعتين، وهي الهدي العام الراتب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا صلاة الوتر، وما كان له سبب، مثل التنفل بأربع، أو ثلاث، إذا صلى مع من فاتته الجماعة، في رباعية، أو في المغرب.
قال الحافظ العراقي رحمه الله:
"وإذا قلنا بأن صلاة النهار أيضا مثنى، فليس المراد بذلك أنه يتعين كونها مثنى؛ بل الأفضل فيها ذلك. وله أن يجمع بين ركعات بتسليمة واحدة. وقد صرح بذلك أصحابنا -الشافعية- وغيرهم.
وقال الأثرم سألت أحمد بن حنبل عن صلاة الليل والنهار في النافلة؟
فقال: أما الذي أختار؛ فمثنى مثنى.
وإن صلى بالنهار أربعا: فلا بأس، وأرجو أن لا يضيق عليه" انتهى من "طرح التثريب في شرح التقريب" (3/77).
والله أعلم.
تعليق