الحمد لله.
أولاً :
يجب على المسلم أن يدفع عن نفسه وأهله كل من يصول ويعتدي عليه ، وليدفع بالأسهل ، فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل : جاز للمصول عليه قتله ، وليس عليه قصاص ولا دية ولا كفارة ؛ لأن الشرع قد أذن له في قتله ، والمقتول المعتدي متوعد بالنار ، والمصول عليه إن قُتل فهو شهيد إن شاء الله ، ولا فرق بين كون المعتدي مسلماً أو كافراً .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ : فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : قَاتِلْهُ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : فَأَنْتَ شَهِيدٌ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ . رواه مسلم ( 140 ) .
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ) رواه الترمذي ( 1421 ) والنسائي ( 4095 ) وأبو داود ( 4772 ) وصححه الألباني في " إرواء الغليل " ( 708 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" السنة والإجماع متفقان على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قتل ، وإن كان المال الذي يأخذه قيراطا من دينار (يعني مقدار يسيرا) ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون حرمه فهو شهيد ) …. فإن قتال المعتدين الصائلين ثابت بالسنة والإجماع " انتهى بتصرف .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 540 ، 541 ) .
وفي " الروض المربع " ( ص 677 ) :
" ومن صال على نفسه أو حرمته كأمه وبنته وأخته وزوجته أو ماله آدميٌّ أو بهيمةٌ : فله - أي : للمصول عليه - الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به ، فإذا اندفع بالأسهل حرم الأصعب لعدم الحاجة إليه .
فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل : فله - أي : للمصول عليه - ذلك أي : قتل الصائل ، ولا ضمان عليه ؛ لأنه قتله لدفع شره " انتهى .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
"ومن صال على نفسه من يريد قتله أو صال على حرمته كأمه وبنته وأخته وزوجته من يريد هتك أعراضهن ، أو صال على ماله من يريد أخذه أو إتلافه ؛ فله الدفع عن ذلك ، سواء كان الصائل آدميّاً أو بهيمة ، فيدفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه ؛ لأنه لو منع من الدفع لأدى ذلك إلى تلفه وأذاه في نفسه وحرمته وماله ؛ ولأنه لو لم يجز ذلك : لتسلط الناس بعضهم على بعض ، وإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل : فله قتله ، ولا ضمان عليه ؛ لأنه قتله لدفع شره ، وإن قُتل المصول عليه : فهو شهيد لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من أريد ماله بغير حق فقاتل ، فقتل ؛ فهو شهيد ) وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه ؛ قال: (جاء رجل ، فقال: يا رسول الله ، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ... وذكر الحديث المتقدم ) .
" الملخص الفقهي " ( 2 / 443 ) .
ولا يجوز للمصول عليه أن يبادر بقتل الصائل إلا بعد أن يستنفذ وسائل دفعه، كتذكيره بالله تعالى ، وتخويفه وتهديده ، وطلب النجدة من الناس ، أو الاستعانة بالأجهزة الأمنية ، وله المبادرة بقتله إذا خشي أن يبادر المعتدي بقتله .
فعَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : الرَّجُلُ يَأْتِينِي فَيُرِيدُ مَالِي ، قَالَ : ذَكِّرْهُ بِاللَّهِ ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ ؟ قَالَ : فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ : فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ ، قَالَ : فَإِنْ نَأَى السُّلْطَانُ عَنِّي ؟ قَالَ : قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ .
رواه النسائي ( 4081 ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .
ثانياً :
وهذا إذا ثبت أنه قتله دفاعاً عن النفس ببينة ، كشهود يشهدون بذلك ، أو صدقه أولياء المقتول أنه قتله دفاعاً عن النفس ، أو وجدت قرائن قوية تدل على ذلك ، كما لو كان المقتول معروفاً بالشر والفساد ، وقد هدده ـ مثلا ـ بالقتل أمام الناس ونحو ذلك .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
"إذا كان هذا الشخص اعترف بالقتل وادعى أنه دفاعاً عن نفسه ولم يصدقه الولي : فإنه يجب القصاص ، قال في " الإنصاف " : وهذا المذهب ، وعليه الأصحاب ، لكن إن كان القتيل معروفاً بالصيالة والفساد وكان ثمََّ قرائن تدل على ما ادعاه القاتل : فقد قال في " الإنصاف " : قال في " الفروع " : ويتوجه عدمه ( يعني : القصاص ) في معروف بالفساد ، قلت : وهو الصواب ، ويعمل بالقرائن" انتهى .
" مجموع فتاوى ابن إبراهيم " (11 / 255 ، 256 ) .
فعلى هذا ، إذا كان والدك قتل هذا الرجل دفاعاً عن نفسه ، فلا يلزمه شيء ، لا كفارة ولا دية .
والله أعلم
تعليق