الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

حكم إضافة لفظ ( سيدنا ) في الصلاة الإبراهيمية

84853

تاريخ النشر : 25-01-2010

المشاهدات : 299129

السؤال

ما حكم القول في الصلوات الإبراهيمية بـ ( اللهم صل على سيدنا محمد.......الخ ) أي : ذكر لفظ ( سيدنا ) ؟ فإن كان الجواب أنه لا يجوز ، فما حكم من قالها بغير علم ؟ هل تعتبر صلاته باطلة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

خير الخلق أجمعين ، وخليل رب العالمين ، صاحب المقام المحمود والحوض المورود ، نبي الرحمة ، ورسول الهداية ، ذو الخلق العظيم ، والشرف الكريم ، عبد الله ورسوله ، سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد بن عبد الله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَومَ القِيَامَةِ ، وَأَوَّلُ مَن يَنشَقُّ عَنهُ القَبرُ ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ )

رواه مسلم (2278)

فمن يطلق السيادة له صلى الله عليه وسلم إنما يخبر بحق وصدق ، لا يماري في ذلك مسلم ،

وقد قال صلى الله عليه وسلم عن الحسن بن علي رضي الله عنه : ( إِنَّ ابنِي هَذَا سَيِّدٌ ) رواه البخاري (2704) ، وقال للأنصار لما جاء سعد بن معاذ : ( قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُم ) رواه البخاري (3073) ومسلم (1768) 

بل قد أطلق الصحابة رضوان الله عليهم السيادة لبعضهم ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( أَبُو بَكرٍ سَيِّدُنَا وَأَعتَقَ سَيِّدَنَا : يعني بلال بن رباح ) رواه البخاري (3754)

فكيف لا يقال بعد ذلك عن أشرف الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إنه ( سيدنا ) ؟!

وأما حديث عبد الله بن الشخير أنه قال :

( انطَلَقتُ فِي وَفدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقُلنَا : أَنتَ سَيِّدُنَا . فَقَالَ : السَّيِّدُ اللَّهُ . قُلنَا : وَأَفضَلُنَا فَضلًا ، وَأَعظَمُنَا طَوْلًا ( أَي شَرَفًا وَغِنًى ) . فَقَالَ : قُولُوا بِقَولِكُم أَو بَعضِ قَولِكُم ، وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيطَانُ )

رواه أبو داود (4806) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

فليس فيه المنع من إطلاق ( سيدنا ) على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن السياق ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم خشي أن يجرهم إطلاق هذه الأوصاف إلى التعدي على مقام الربوبية ، فأعاد السيادة لله تعالى ؛ لينبههم على أنه سبحانه صاحب السيادة المطلقة ، فلا تغلوا في حقي فترفعوني إلى مقام الربوبية !

فنهاهم عن الغلو المذموم فحسب ، ولم ينههم صلى الله عليه وسلم عن تسويده ، بل أقرهم عليه حين قال لهم : ( قولوا بقولكم ) .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "القول المفيد" (258) :

" ولم ينههم صلى الله عليه وسلم عن قولهم : ( أنت سيدنا ) ، بل أذن لهم بذلك ، فقال : ( قولوا بقولكم أو بعض قولكم ) ، لكن نهاهم أن يستجريهم الشيطان فيترقوا من السيادة الخاصة إلى السيادة العامة المطلقة ؛ لأن ( سيدنا ) سيادة خاصة مضافة ، و ( السيد ) سيادة عامة مطلقة غير مضافة " انتهى .

جاء في الموسوعة الفقهية (11/346) :

" أجمع المسلمون على ثبوت السّيادة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعلى عَلَمِيَّتِه في السّيادة .

قال الشّرقاويّ : فلفظ ( سيّدنا ) علم عليه صلى الله عليه وسلم " انتهى .

ثانيا :

لما كانت العبادات مبنية على الالتزام والتوقيف ، كان الأصل فيها الاقتصار على ما جاءت به السنة النبوية فيها ، ومن ذلك ألفاظ الأذان والإقامة والصلاة الإبراهيمية بعد التشهد ، فقد جاءت النصوص الكثيرة في بيانها ، ولم ترد رواية واحدة مرفوعة أو موقوفة على الصحابي ، أو حتى من قول التابعين ، أنهم كانوا يزيدون في ألفاظها قولهم ( سيدنا محمد )

سُئِل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

عن صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة أو خارج الصلاة ، سواء قيل بوجوبها ، أو بندبها : هل يشترط فيها أن يصفه صلى الله عليه وسلم بالسِّيادة ، بأن يقول مثلاً : صلِّ على سيِّدنا محمدٍ ، أو على سيّدِ الخلق ، أو سيّد ولد آدم ؟ أو يقتصر على قوله : اللهم صلِّ على محمد ؟

وأيهما أفضل : الإتيانُ بلفظ السيادة ؛ لكونها صفةً ثابتةً له صلى الله عليه وسلم ، أو عدمُ الإتيان لِعدم ورُود ذلك في الآثار ؟

فأجاب رحمه الله :

" نعم اتِّباعُ الألفاظ المأثورة أرجح ، ولا يقال : لعلَّه ترك ذلك تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم كما لم يكن يقول عند ذكره : صلى الله عليه وسلم ، وأمّتهُ مندوبة إلى أن تقول ذلك كلما ذُكر ؛ لأنَّا نقول : لو كان ذلك راجحاً لجاء عن الصحابة ، ثم عن التابعين ، ولم نقِفْ في شيءٍ من الآثار عن أحدٍ من الصحابة ولا التابعين أنه قال ذلك ، مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك ، وهذا الإمامُ الشافعي أعلى الله درجته وهو من أكثر الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم ، قال في خطبة كتابه الذي هو عمدة أهل مذهبه : " اللهم صلِّ على محمد ، إلى آخر ما أدَّاه إليه اجتهاده وهو قوله : " كلما ذكره الذاكرون ، وكلما غفل عن ذكره الغافلون " ، وكأنه استنبط ذلك من الحديث الصحيح الذي فيه ( سبحان الله عدد خلقه ) ، وقد عقد القاضي عياض بابا في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب "الشفاء" ، ونقل فيه آثارا مرفوعة عن جماعة من الصحابة والتابعين ، ليس في شيء منها عن أحد من الصحابة وغيرهم لفظ : " سيدنا " ، والغرض أن كل من ذكر المسألة من الفقهاء قاطبة ، لم يقع في كلام أحد منهم : " سيدنا " ، ولو كانت هذه الزيادة مندوبة ما خفيت عليهم كلهم حتى أغفلوها ، والخير كله في الاتباع ، والله أعلم " انتهى .

نقله السخاوي في "القول البديع" ، ومحمد بن محمد الغرابيلي (835هـ) وكان ملازما لابن حجر ، كما في إحدى المخطوطات التي وقف عليها الشيخ الألباني بخطه ، انظر "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (172) وقد اختصرتها لطولها ، وانظر "معجم المناهي اللفظية" بكر أبو زيد (305)

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "المناهي اللفظية" (سؤال رقم/470) :

" لا يرتاب عاقل أن محمداً صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم ، فإن كل عاقل مؤمن يؤمن بذلك ، والسيد هو ذو الشرف والطاعة والإمرة ، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم من طاعة الله سبحانه وتعالى : ( مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَد أَطَاعَ اللَّهَ ) ، ونحن وغيرنا من المؤمنين لا نشك أن نبينا صلى الله عليه وسلم سيدنا ، وخيرنا ، وأفضلنا عند الله سبحانه وتعالى ، وأنه المطاع فيما يأمر به ، صلوات الله وسلامه عليه ، ومن مقتضى اعتقادنا أنه السيد المطاع ، أن لا نتجاوز ما شرع لنا من قول أو فعل أو عقيدة ، ومما شرعه لنا في كيفية الصلاة عليه في التشهد أن نقول : " اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " أو نحوها من الصفات الواردة في كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، ولا أعلم أن صفة وردت بالصيغة التي ذكرها السائل وهي : " اللهم صل على سيدنا محمد ، وعلى آل سيدنا محمد " ، وإذا لم ترد هذه الصيغة عن النبي عليه الصلاة والسلام فإن الأفضل ألا نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بها ، وإنما نصلي عليه بالصيغة التي علمنا إياها .

وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أن كل إنسان يؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم سيدنا ، فإن مقتضى هذا الإيمان أن لا يتجاوز الإنسان ما شرعه ، وأن لا ينقص عنه ، فلا يبتدع في دين الله ما ليس منه ، ولا ينقص من دين الله ما هو منه ، فإن هذا هو حقيقة السيادة التي هي من حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا " انتهى .

وفي فتاوى اللجنة الدائمة (24/149) :

أيهما أصوب أن نقول عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ( سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ) أو نقول : صلى الله عليه وسلم ؟

الجواب :

الأمر فيه سعة ، فيجوز ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، أو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه سيد الأولين والآخرين ، عليه الصلاة والسلام ، ولكن الأذان والإقامة لا يقال سيدنا ، بل يقال كما جاء في الأحاديث : ( أشهد أن محمدا رسول الله ) وهكذا في التشهد في الصلاة لا يقال : ( سيدنا ) بل يقال كما جاء في الأحاديث ؛ لأن ذلك أقرب إلى الأدب مع السنة وأكمل بلا تسييد بالاتباع  " انتهى .

ثالثا :

إذا قالها المسلم في صلاته فإن صلاته لا تبطل بذلك ، مع أن الواجب ألا يأتي بأي زيادة على الصيغ الواردة في أذكار الصلاة كلها .

وقد نقل صاحب "حاشية تحفة المحتاج" (2/86) من كتب الشافعية عن الطوسي من الشافعية بطلان صلاة من زاد لفظ ( سيدنا ) ، ثم قال : وهذا غلط .

ينظر مغني المحتاج (1/384) ونقل عن ظاهر المذهب اعتماد عدم استحباب الزيادة، أسنى المطالب لزكريا الأنصاري (4/166)، حاشية تحفة المحتاج (2/88) ، ونيل الأوطار 2/337، والموسوعة الفقهية 11/346)

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب