الحمد لله.
أولا :
نهنئك بتوبة الله عليك وأنه قد من عليك بترك الذنوب والمعاصي وحياة العبث ، وهذه النعمة العظيمة يجب عليك المحافظة عليها بالإقبال على الله ودعائه والتضرع إليه والمداومة على ذكره سبحانه وتعالى ، فكل هذا يقوي القلب ويثبت القدم على طريق الطاعة ويدفع شكوكك وترددك الذي أصابك في الفترة الأخيرة .
ثانيا:
فيما يخص الحالة التي انتابتك مؤخرا فإن لها عدة أسباب :
1. فمنها أنك انعزلت كثيرا بعد الهداية ، ولكن ما علاقة الهداية بعزلتك هذه ، كان يمكنك أن تختار من الناس من يستحق المخالطة والصحبة ، بل إنك حتى عند مخالطتك غير هؤلاء يكون همك هو أن تدلهم على طريق التوبة والرجوع إلى الله ، فالالتزام لا يعني أبدا بعدك عن الناس ، وحتى عند طلب العلم يبحث الإنسان دائما على من يرافقه في الدرس ويعينه على المذاكرة ، وهكذا تظل طبيعة الإنسان الاجتماعية ولكن تختلف الأهداف والسلوك عليها ، لا شك أن العزلة عن الماضي ورفقائه هي عزلة نافعة ، بل ربما كانت واجبة في بعض الأحيان ؛ لكن من المفيد لك أن تستبدل برفقة الماضي ، رفقة أخرى صالحة تعينك على طريق الهداية ، وتؤنسك ، وتقوي من عزمك وهمتك ، وقد قال الله تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) الكهف/28.
2. ومنها : ذكرك لبعض ذكريات الماضي ، وهذا لا بد أن يكون ؛ لأنك في بدايات الطريق ، والشيطان لن يدعك تفلت ، فيقلب عليك صورا ومشاهد وأفكارا كنت تحياها بالماضي القريب ، لكن أبشر ؛ فإن هذه الشدة وتلك الهواجس سرعان ما تزول إن شاء الله ، شريطة أن تثبت على طريق الهداية ، وتستقيم في بدايات سلوكك .
3. الشكوك التي تملك عليك نفسك ، والهواجس التي تأتيك من كل مكان ، إنما هي من وساوس الشياطين التي يجب عليك دفعها بشدة ، والاستعاذة منها ، وكثرة دعاء الله بأن يقويك وينجيك من الشيطان ونفثه ، واعلم أن الله تعالى غني عنا وعن أعمالنا ، وأن عبادتنا الناقصة هو يزكيها لنا بمنه وكرمه سبحانه ، ويجازي عليها ، ويضاعف الجزاء ، فضلا منه وكرما وجودا ، والله شكور حليم سبحانه ، يقبل القليل ، ويعطي الكثير، وهو عند ظنه عبده به ، جل جلاله .
فلا تظنن بربك ظن سوء * فإن الله أولى بالجميل .
4. أما تفريطك في صلاة الفجر ، فلا شك أنه خلل كبير عندك ، ونقص يجب عليك أن تبادر بإصلاحه وسده ، فإصلاح البدايات ، علامة خير في الطريق ؛ وكيف يكون يومك وقد بدأته بمعصية الله ، والتفريط في أمر من أعظم أوامره ، وأجل حقوقه على عبده : الصلاة على وقتها ؟! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ؛ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ) رواه مسلم في صحيحه (657) ، فلا تحرم نفسك ، بل لا تطرد نفسك ـ يا عبد الله ـ من ذمة ربك : أي أمانه ، وحفظه ، وضمانه لعبده ، وصيانته له من عدوه ؛ لا تحرم نفسك من ذلك كله بتفريطك في صلاة الصبح في أول وقتها ، مع الجماعة في المسجد ، فيتسلط عليك عدوك ، وأنت الجاني على نفسك ، إن فعلت .
يسر الله لك أمرك ، وكشف همك وغمك ، وثبتك على صراطه المستقيم .
والله أعلم .
تعليق