الحمد لله.
قد فعلت أكثر مما يلزمك ، وذلك يدل على صدقك في التوبة ، فنسأل الله تعالى أن يتقبل منك .
أولا:
العمل في مثل هذا الفندق عمل يختلط فيه الحرام بالحلال ، لأن هناك أنشطة مباحة يعملها الفندق ، وأنشطة أخرى محرمة .
وإذا أراد العامل في هذا الفندق أن يتوب إلى الله ويصلح حاله وسأل عن كيفية تطهير ماله من الحرام ، فيقال له : الأموال التي أنفقتها لا يلزمك إخراج بدلها ، بل تكفيك التوبة ، ويغفرها الله لك .
أما ما بقي معه من أموال ( الراتب الذي كان يتقاضاه مضافا إليه النسبة ) فإنه يخرج منه ما يقابل الأنشطة المحرمة للفندق ، ويجتهد في تحديد نسبتها ، هل تمثل تلك الأنشطة ربع أنشطة الفندق أو ثلثه أو أكثر أو أقل ؟ ويخرج تلك النسبة من ماله في أي وجه من وجوه البر المتنوعة . فإن تعذر عليه تحديد النسبة فليجعلها النصف ، ويخرج نصف ماله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى الكبرى" (5/528) : "من جَهِل قَدْرَ الحرام المختلط بماله فإنه يخرج النصفَ ، والباقي له " انتهى .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
أسأل سماحتكم عن فتوى شاعت بين الناس عن أحد العلماء ، بأن الشخص إذا كسب مالا من صنع الخمر أو بيعه أو بيع المخدرات ، وتاب إلى الله سبحانه وتعالى فإن هذا المال المكتسب عن طريق صنع الخمر أو بيعه أو بيع المخدرات وترويجها فإنه حلال ، فأجابوا : " إذا كان حين كسب الحرام يعلم تحريمه ، فإنه لا يحل له بالتوبة ، بل يجب عليه التخلص منه بإنفاقه في وجوه البر وأعمال الخير " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة" (14/33) .
وقال ابن القيم رحمه الله : " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض ، كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده ، فقالت طائفة : يرده إلى مالكه ؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح ، وقالت طائفة : بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو أصوب القولين " انتهى من " مدارج السالكين " (1/389( .
ثانيا :
المبلغ الذي أخذته من الفندق (12000 جينه) لا يكفي للتوبة منه أن تتصدق به ، وإنما يجب أن ترده إلى صاحبه ، كما ذكرت أنك علمت هذا من دار الإفتاء ، ويدل لذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا ، وَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا ) رواه أبو داود (4350) والترمذي (2086) ، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1518) .
فقد ذكر الرسول صلى الله عليه (العصا) وهي أقل شيء ممكن يأخذه الإنسان من حق أخيه ، وأوجب عليه أن يردها إلى صاحبها .
في " تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي" :
"وَإِنَّمَا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْعَصَا لِأَنَّهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ الَّتِي لَا يَكُونُ لَهَا كَبِيرُ خَطَرٍ عِنْدَ صَاحِبِهَا لِيُعْلَمَ أَنْ مَا كَانَ فَوْقَهُ فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَحَقُّ وَأَجْدَرُ" انتهى .
وعلى هذا ، فالذي يلزمك حتى تصح توبتك أن تفعل الآتي :
1- أن ترد إلى صاحب الفندق (12000 جنيها) وقد رددتها بزيادة ألفين ، وتكون الصدقة التي دفعتها إلى الجمعية الخيرية يكون لك ثوابها إن شاء الله تعالى . وينظر لمزيد الفائدة جواب السؤال : (31234) .
2- أن تتصدق بما يقابل ما تبقى معك من راتبك من العمل المحرم إن استطعت تقدير ذلك ، فإن لم تستطع فتتصدق بنصفه ، وقد تصدقت بأكثر من ذلك .
3- قد ذكرت أنك عملت بعد ذلك سبعة أشهر في فندق آخر ، فإن كان له أنشطة محرمة فإنك تتصدق بما يقابلها من راتبك أو بنصفه كما سبق ، وقد ذكرت أنك تصدقت بالكثير من المال . فذلك يكفيك إن شاء الله .
وأخيرا ..
بناء على ما سبق ، فإنك قد تصدقت بأكثر مما يلزمك شرعا ، وبهذا قد طهرت نفسك وقلبك من ظلمة المعصية ، وطهرت مالك من الحرام ، فالمال الذي تشارك به في المشروع الذي ذكرته مال حلال ثم تطهيره من الحرام ، وأرباحك منه حلال إن شاء الله تعالى .
ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ويبارك لك في مالك ، وننصحك أن تستمر في الصدقة والإكثار من الأعمال الصالحة ، فإن الله تعالى يقول : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
والله أعلم.
تعليق