الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حكم تناول اللقاحات المستخرجة من سم العقارب والحيات وغيرها

تاريخ النشر : 21-01-2011

المشاهدات : 28200

السؤال

هل يجوز عمل مصل للدغة العقرب من سم العقرب نفسه ؟ وعموما هل يجوز إعطاء الأمصال المستخرجة من سموم الحيوانات أو من إفرازاتها ، أو من الحيوان نفسه كجسد ؟

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
المشهور في عالم الطب أن الطبيب البريطاني " إدوارد جنر " ( 1749 - 1823م ) هو من اكتشف التطعيم – التلقيح - كوسيلة لمنع مرض الجدري ، وقد ذكر الكاتب " باول فاليللي " في مقال بعنوان " كيف غيَّر المخترعون المسلمون وجه العالم " أن هذا التطعيم عرفه المسلمون قبل غيرهم ، فقال :
" فكرة التطعيم لم تبتكر بواسطة " جنر " و " باستير " ، ولكن ابتكرها العالَم الإسلامي ، ووصلت إلى أوروبا من خلال زوجة سفير بريطانيا في تركيا ، وتحديداً في اسطنبول عام 1724.

ثانياً:
منع بعض العلماء من التداوي قبل وقوع الداء ، إلا أن قولهم غير صحيح .
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله :
"حكم التطعيم قبل وقوع المرض : جائز ، كالتطعيم عن الحمَّى الشوكية ، والكوليرا ، والدليل على الجواز : أدلة منها :
1. ما ثبت في صحيح ( البخاري و) مسلم عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ تصبَّح بسبع تمرات من تمر المدينة : لم يضره سحر ، ولا سم ) ، فهذا توقٍّ للمرض قبل نزوله ، فهو من فعل الأسباب الجائزة .
2. ومنها : ما أجمع عليه الناس ، مِن الأكل ، والشرب ليتقي شرَّ الجوع ، والعطش ، ولبس الثياب الصفيقة ، وثياب الصوف ليتقي فيها شرَّ البرد ، ولبس المجاهد للدرع ، وأخذه السلاح ليتقي به شرَّ الأعداء ، فهذا اتقاء للمرض قبل وقوعه ، وقد اتفق عليه جميع الخلق" انتهى من" فوائد في العقيدة " ( 18 ) .
وينظر كلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في جواب السؤال رقم : ( 20276 ) .

ثالثاً:
أما حكم تناول السموم : فإنه ينبغي التفريق بين شرب السم ، وبين التداوي به ، وقد اختلف العلماء قبل ذلك في حكمه من حيث النجاسة والطهارة ، والصحيح أنه طاهر ، ولا يحل شرب السم بقصد الانتحار ، وقد ورد الوعيد على ذلك بنص صريح صحيح .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ) رواه البخاري ( 5442 ) ومسلم ( 109 ) .
وأما حكم التداوي به : فإنه يجوز إن ثبت أن له نفعاً ، وينبغي أن يكون ذلك بوصف طبيب ماهر ، وقد كانوا قديماً يستعملونه للملوك ليتحصنوا به ، فلا يؤثر فيهم السم إن أراد أحد أن يقتلهم به ، كما أنه ثبت فاعليته لمن يعيش في البراري ، أو بين الحيات والعقارب .
قال الأمام الشافعي – رحمه الله - :
"إن شرب دواء فيه بعض السموم ، والأغلب منه أن السلامة تكون منه : لم يكن عاصياً بشربه ؛ لأنه لم يشربه على ضرِّ نفسه ، ولا إذهاب عقله ، وإن ذهب" .
انتهى من " الأم " ( 1 / 88 ) .
وقال ابن قدامة - رحمه الله - :
"وما فيه السموم من الأدوية : إن كان الغالب من شربه واستعماله الهلاك به أو الجنون : لم يبح شربه ، وإن كان الغالب منه السلامة ويرجى منه المنفعة : فالأوْلى إباحة شربه لدفع ما هو أخطر منه كغيره من الأدوية .
ويحتمل أن لا يباح ؛ لأنه يعرض نفسه للهلاك ، فلم يبح كما لو لم يرد به التداوي .
والأول : أصح ؛ لأن كثيراً من الأدوية يخاف منه ، وقد أبيح لدفع ما هو أضر منه ، فإذا قلنا يحرم شربه فهو كالمحرمات من الخمر ونحوه ، وإن قلنا يباح فهو كسائر الأدوية المباحة" .
انتهى من" المغني " ( 1 / 447 ) .
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله – :
"وأما مجرد شرب السم : فليس بحرام على الإطلاق ؛ لأنه يجوز استعمال اليسير منه إذا رُكِّب معه ما يدفع ضرره إذا كان فيه نفع" . انتهى من" فتح الباري " ( 10 / 248 ) .
وقال الإمام القرطبي – رحمه الله - :
"يجوز التداوي بالسم ، ولا يجوز شربه" . انتهى من" تفسير القرطبي " ( 2 / 220 ) .

وفي " الموسوعة الفقهية " ( 25 / 257 ) :
"يجوز التّداوي بالسّمّ ، حتّى عند من يقول بنجاسته ، إن غلبت السّلامة من ضرره ، ويرجى نفعه ، لارتكاب أخفّ الضّررين ، ولدفع ما هو أعظم منهما ، بشرط إخبار طبيب مسلم عدل بذلك ، أو معرفة المتداوي به ، وعدم ما يقوم مقامه ممّا يحصل التّداوي" . انتهى .
وهكذا باقي أنواع التطعيمات ، وكل ذلك مشروط بأن يكون الوصف من طبيب حاذق ، وعلى ضوء تجارب يقينية ، أو شبه يقينية ، وبشرط أن لا يحدث ضرراً بمتناوله ، وما يحدث من أثر سلبي مؤقت كحمى وغيرها : فإنه مغتفر في مقابل النفع لكبير لهذا اللقاح ، وقد ذكرنا هذا في جواب السؤال رقم : ( 20276 ) فلينظر .

ولا فرق بين أن يكون اللقاح من ذات الحيوان السام كالعقرب أو الحية ، أو من غيرهما ، والمهم هو ثبوت نفعه .
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي – حفظه الله - :
"وقد ذكر العلماء رحمهم الله تعاطي السم للوقاية ، كما كان يفعله بعض الأطباء للعظماء ، والسلاطين ، إذا خشوا أن يُسموا ، فكانوا يعطونهم جرعات من السم ، حتى يصبح الجسم قابلاً للسم ، فكانوا يرخصون في هذا ؛ لأن سبب التحريم : خوف الهلاك ، والعلة إذا زالت : يزول الحكم المترتب عليها ، وعلى هذا لو زال أو غلب على ظنه أنه لا يستضر : فإنه يجوز تعاطيه".
انتهى من" شرح زاد المستقنع " كتاب " الأطعمة " .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب