الأربعاء 15 شوّال 1445 - 24 ابريل 2024
العربية

أوقف مزرعةً ولم يحدد جهة صرفها قبل موته

تاريخ النشر : 11-06-2010

المشاهدات : 11071

السؤال

أوقف جدي رحمه الله مزرعة تزرع بطيخ " حبحب " على نزول الأمطار ، هل يحق لي الأكل من الإنتاج والتصدق والإهداء ؟ وماذا أفعل بالربح من بيع " الحبحب " ؟ وهل يحق لي أخذ مبلغ مقابل تعبي ؟ وكم نسبته إن كان يحق لي ؟ .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
الناظر على الوقف له أن يأخذ أجرة مقابل عمله ورعايته للوقف .
فإذا كان الواقف قد نص على شيء معين له فهو له ، وإن لم يحدد له أجرة فالمرجع في تحديدها إلى القاضي الشرعي ، فإن تعذر وجود قضاء شرعي في البلد ، فعلى الناظر أن يتحرى العدل بقدر الإمكان ، وينبغي أن يستشير العقلاء وأهل العلم والخبرة حتى يكون أقرب إلى العدل ، وأبعد عن الظلم وأكل المال الحرام .

وقد جاءت السنة بجواز أخذ الواقف أجرة على عمله .
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِى دِينَارًا ، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِى وَمُؤْنَةِ عَامِلِى فَهْوَ صَدَقَةٌ) رواه البخاري (2624) – وبوَّب عليه : باب نفقة القيِّم للوقف - ومسلم (1760) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وهو دال على مشروعية أجرة العامل على الوقف ، والمراد بالعامل في هذا الحديث : القيم على الأرض ، والأجير ، ونحوهما" انتهى من "فتح الباري" (5/406) .

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (44/210) :
"ذهب الفقهاء على أن الناظر على الوقف يستحق أجرة نظير قيامه بإدارة الوقف والعناية بمصالحه" انتهى .
وفيها أيضاً (44/211) :
"أجرة الناظر إما أن تكون مشروطة من قبل الواقف ، أو مقدرة من قبل القاضي .
فإن كانت الأجرة مشروطة من قبل الواقف : فإن الناظر يأخذ ما شرطه له الواقف ولو كان أكثر من أجر مثله ، وهذا ما ذهب إليه الحنفية والشافعية والحنابلة .
ونص الحنفية على أنه لو عين له الواقف أقل من أجر المثل فللقاضي أن يكمل له أجر مثله بطلبه" انتهى .

ثانياً:
يجوز للناظر أن يأكل من غلة الوقف بالمعروف ، وذلك بالقدر الذي جرت به العادة ، ويجوز له إطعام صديقه وضيفه منها ، ولا يجوز له أن يتمول من تلك الغلَّة لا لنفسه ولا لضيفه ولا لصديقه ، ومعنى التمول : التجميع والتخزين ، أو البيع وكسب المال من الغلة .
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أَرْضًا فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ : (إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا) فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ ، فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ . رواه البخاري (2620) ومسلم (1632) .

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله :
"وقوله : (لا جناح على من ولِيها أن يأكل منها بالمعروف) هذا رفع للحرج عن الوالي عليها ، والعامل في تلك الصَّدقة في الأكل منها ، على ما جرت عادة العمَّال في الحيطان من أكلهم من ثمرها حالة عملهم فيها ، فإن المنع من ذلك نادر ، وامتناع العامل من ذلك أندر ، حتى إنه لو اشترط رب الحائط على العامل فيه ألا يأكل لاستُقْبِح ذلك عادةً وشرعاً .
وعلى ذلك : فيكون المراد بالمعروف : القدْر الذي يدفع الحاجة ، ويردُّ الشَّهوة ، غير أكل بسرفٍ ، ولا نَهْمةٍ ، ولا متخذًا خيانة ولا خُبْنَة" انتهى .
"المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (4/602 ، 603) .
الحيطان : البساتين .
الخبنة : ما يُحمل في الحِضن أو تحت الإبط .
وقال المباركفوري رحمه الله :
(غير متمول فيه) أي مدخر .
"تحفة الأحوذي" (4/521) .
وقال الصنعاني رحمه الله :
ولا يأخذ من غلَّتها ما يشتري بدله ملكاً ، بل ليس له إلا ما ينفقه .
" سبل السلام " ( 3 / 88 ) .

ثالثاً:
إذا لم يحدد الواقف جهة لصرف الوقف ، فوقفه صحيح عند جمهور العلماء ، خلافاً للشافعية الذين قالوا ببطلانه ، وقد اختلف المصححون له في أوجه صرفه :
فأبو يوسف – من الحنفية – يقول : بأنه يُصرف إلى الفقراء .
وعند المالكية : يُصرف الوقف بحسب غالب الوقف في بلاد الواقف ، فإن لم يوجد غالب فيُصرف للفقراء .
وعند الحنابلة يُصرف الوقف إلى ورثة الواقف نسباً على قدر إرثهم ، ويكون وقفاً عليهم فلا يملكون نقل الملك في رقبته ، فإن عُدموا : فيُصرف للفقراء والمساكين وقفاً عليهم .
واختار ابن قدامة رحمه الله أنه يصرف إلى الفقراء ، فإن كان في أقارب الواقف فقراء فهم أحق به .
انظر : "الموسوعة الفقهية" (44/149 ، 150) ، و "أبحاث هيئة كبار العلماء" (5/95) .

وعلى هذا ، فهذا الوقف يصرف إلى أقارب الواقف الفقراء ، فإن فضل عنهم أو لم يكن أحد من أقاربه فقراء صرف إلى غيرهم من فقراء المسلمين ، وذلك لأن الفقراء هم مصرف الصدقات .
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب