الحمد لله.
أولا :
كل عيب يتعلق به مقصود النكاح ، واستقامة الحياة الزوجية ، والعشرة بين الزوجين : فلا يجوز على من به هذا العيب أن يخفيه عن الطرف الآخر ، ومن كتمه كان غاشا آثما .
ثم إن للطرف الآخر ، متى اكتشف هذا العيب ، الحق في فسخ النكاح ، إن شاء ؛ فإذا كان الفسخ من طرف الزوج ، فله أن يسترد ما دفعه من المهر ، وله ألا يدفع ما تأخر منه ، سواء كان كله أو بعضه .
لكن متى اكتشف الزوج العيب الذي يثبت له الفسخ ، فرضي به : لم يكن له أن يطلب الفسخ بعد ذلك ، بنفس العيب الذي اكتشفه ورضي به ، بل إما أن يفسخ متى اكتشفه ، أو يرضى به ، ويسقط حقه في الفسخ .
وينظر في العيوب التي يجب إظهارها : جواب السؤال رقم (111980 )، ورقم (121794 )، وينظر أيضا رقم(103411 ).
وهذا هو واقع حالك ، فإنك قد اكتشفت العيب المنفر في زوجتك ، ثم رضيت بأن تمسكها على هذه الحال ، فليس من حقك أن تفسخ بعد ذلك .
ثانيا :
قول الزوجة لزوجها : ( أنا أخلعك ) ، أو : ( أنا خلعتك ) ، أو نحو ذلك من الألفاظ : لا أثر له في الحياة الزوجية ، ولا يقع به خلع ، ولا يلزم به شيء . قال ابن مفلح رحمه الله : " ويصح ممن يصح طلاقه " انتهى من "الفروع" (5/343) .
" اتفق الفقهاء على أنه يشترط في الموجب ـ يعني : للخلع ـ أن يكون ممن يملك التطليق " ينظر : "الموسوعة الفقهية" (1/245) .
وبما سبق يتبين أن الخلع هو فعل الزوج ، يعني : أنه هو الذي يخلعها ، إذا طلبت هي ذلك ، وبذلت له العوض عليه ، وليس الخلع هو مجرد قول المرأة ، أو حتى بذلها المال ، بل إن قبوله للمال هو جزء من الخلع .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" ولا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله ، من غير لفظ الزوج " انتهى من "المغني" (10/276) ط هجر.
ثالثا :
المعتبر في مؤخر الصداق هو ما اتفقتما عليه فعلا ، سواء كان ذلك مكتوبا في وثيقة الزواج ، أو اتفقتما عليه شفهيا ، ولو لم يكن مكتوبا ، ولا عبرة بكون الطلاق في بالك ، أو ليس في بالك ؛ فقد ثبت حقها عليك بزواجك بها ، ولا يحل لك أن تبخسها شيئا من حقها ، ولا أن تأكل منه شيئا ؛ قال الله تعالى : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) النساء/20-21 .
قال ابن المنذر رحمه الله :
" وأجمعوا على أن الرجل لا يحل له أخذ شيء مما أعطى المرأة ، إلا أن يكون النشوز من قبلها " انتهى من "الإجماع" (117) .
فمتى كرهت المقام مع زوجتك ، ولم يمكنك أن تكمل الحياة الزوجية معها ، وأردت طلاقها : فأوفها حقها كاملا ، إلا أن تتنازل هي لك عن شيء منه ، عن طيب نفس منها .
فإن لم تكن قادرا على وفائها ما تبقى لها من الصداق ، فإما أن تصبر على عشرتها ، حتى تتمكن من ذلك ، أو تتفاهم معه على شيء منه ، إن كانت نفسها تطيب بذلك ، وهو أمر مستبعد ، خاصة إذا كانت هي قد رغبت في العيش معك .
نسأل الله أن يلهمك رشدك ، ويعيذك من شر نفسك ، وأن يوفقك لما يحب ويرضى .
والله أعلم
تعليق