الحمد لله.
أولا :
ينبغي أن تحمد الله تعالى أن صرفك عن الزواج من هذه الفتاة ، التي تقيم العلاقات مع الرجال عن طريق الإنترنت وغيره ، فإن هذه ليست موضع ثقة ، فربما استمرت على علاقاتها المحرمة بعد زواجها .
وأكثر الزيجات التي بنيت على الحرام ، وكان مبدؤها الحرام ، يعتريها الفصام والنكد والشك والريبة ، كما هو معلوم من النظر في كثير من الوقائع .
وأما ما جرى من صديقك ، فربما كان السكن معه مضرة عليك ، أو عليه ، وهو ليس ملزما بأن يسكنك معه ، فهو لم يظلمك حين رفض أن تسكن معه ، بل إن كثيرا من العقلاء الحريصين على دوام المودة والصحبة ، يرفض أن يسكن مع صديقه ، لما يحدث كثيرا في السكن من الاحتكاكات والأمور التي تولد المشكلات ، وربما فرقت بين الإخوان .
" قال ثابت البناني للحسن : إنك تريد الحج ، وأنا أريد ؛ أفأصحبك ؟
فقال الحسن : دعنا نتعايش بعيش الله ، إني أكره أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه . " البصائر والذخائر (3/155) .
وإنا لنرجو أن يكون الله تعالى قد اختارك لك الخير ، حينما صرف عنك الزواج بهذه الفتاة اللعوب ، وحينما صرف عنك ـ أيضا ـ هذه السكنى مع صديقك ، والله سبحانه يقدر لعبده كثيرا من الخير الذي لا يدرك العبد حكمته ومصلحته وعائدته إلا بعد زمن .
قال ابنُ مسعود رضي الله : " إنَّ العبد ليهمُّ بالأمرِ من التجارة والإمارة حتى يُيسّر له ، فينظر الله إليه فيقول للملائكة : اصرفوه عنه ، فإني إنْ يسرته له أدخلتُه النار ، فيصرفه الله عنه ، فيظلُّ يتطيَّرُ يقول : سبقني فلان ، دهاني فلان ، وما هو إلا فضل الله – عز وجل " ذكره ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم".
فاحمد الله تعالى ، وارض بقضائه ، وظنّ فيه الخير والنفع ، فلعل الله حفظك ورعاك ، وصرف عنك ما يضرك ويسوؤك .
ثانيا :
لا يجوز لك الانتقام من صديقك هذا ، فإنه لم يمنعك حقا واجبا ، وقد يكون له من الأعذار الصحيحة ما أوجب رفضه لسكنك معه .
وليس لك أن تفضح هذه الفتاة ، ولا أن تنشر شيئا عنها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري (2442) ومسلم (2580).
وقوله : ( يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ ) رواه الترمذي (2032) وأبوداود (4880) .
وهذا الذي يحركك الشيطان نحوه ، ويدفعك على فعله هو من الفجور في الخصومة ، والعياذ بالله ، وهي من خصال المنافقين ، لا تليق ـ أبدا ـ بالمؤمنين :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ) . رواه البخاري (34) ومسلم (58) .
فدع عنك أمر هذه الفتاة ، وانشغل بعيبك عن عيوب الناس ، وتب إلى الله تعالى من تلك العلاقة ، واحرص على الزواج من ذات الخلق والدين ، العفيفة المصونة ، التي تحفظك في حلك وترحالك ، وأقبل على طاعة ربك ، وانشغل بما ينفعك ، وعد إلى دراستك ، ولا تدع لليأس والإحباط سبيلاً عليك ، فإن المؤمن يمنعه إيمانه ويقينه من اليأس ، ويحول بينه وبين العجز ، فليس في الدنيا ومتاعها الزائل ما يستحق أن يلهث خلفه الإنسان ، ولا أن يبكي على فواته ، وقد علم المؤمن أن لا يجري أمر في حياته إلا بقدَر ، فما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وهذا مما يهوّن عليه ، ويسليه ، كما قال تعالى : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد/22 ،23
وانظر في علاج الهمّ والحزن والضيق : جواب السؤال رقم (22704)
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك ، وأن يزيل همك ، وأن يوفقك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
تعليق