الحمد لله.
هذه ثلاث رسائل نوجهها لكِ ، ولصديقتكِ ، ولخالتكِ .
الرسالة الأولى : لكِ
1. نسأل الله أن يُعظم لك الأجر ، وأن يفرِّج كربك ، وأن يجمع شمل أسرتك على خير .
2. نرجو أن يكون ما حصل درساً لكِ ولغيركِ ، بأن لا تتهاون المرأة في صورتها وتصوير نفسها ولو مع صديقاتها ، وأن لا تعطي ثقتها في هذه المسائل لأحدٍ ، وحتى أقرب الناس منها كأختها – مثلاً – فإنها لا تأمن زوج أختها أن ينظر إليها أو ينشرها ، فضلاً أن تعطي ثقتها لغريب عنها بحجة الصداقة أو القرابة .
3. وقد وقعتِ في الخطأ قبل السرقة في عدم مشاورتك لأهل العلم والحكمة ، وكنا ونحن نقرأ رسالتكِ نعتقد أنها ستنتهي عند المشاورة فيما تفعلينه مع الصديقة الخائنة ، لكننا فوجئنا بتطور الأمور ووصولها لذلك الحد ، ولعلَّ في هذا ما يكون عبرة لكل أحدٍ يقع في ورطة أن يبحث عن الحل عند غيره قبل استفحالها وتطورها ؛ لأن المشكلات كلما تطورت زاد تعقيدها ، وبخاصة ما يقع مع النساء من قبَل أهل الشر والفساد .
4. وما فعلتيه تجاه خالتكِ هو المتحتم عليكِ ، فقد صدقتِ معها في القول ، وأرجعتِ حقها لها ، وحلفتِ لها على حقيقة ما حصل ، والواجب عليها تصديقك وتجاوز هذا الأمر ، واعلمي أن الصدق منجاة لصاحبه ، وأن الله تعالى مُظهر الحق عاجلا أم آجلاً ، فاصبري واستعيني بالله تعالى ، وداومي على دعائه بأن يفرج عنك ، ويُظهر العدل والحق .
5- نتوجه إليك بهذه المشورة ، وهي تحتاج منك إلى مشاورة أهلك ، ومشاورة أحد المحامين ـ لو أمكن ـ لأننا لا ندري شيئا عن قوانين بلادكم : لماذا لا تقومين بإبلاغ الشرطة عن صاحبتك التي خدعتك بالصورة ، فإننا نظن أنه لو تم القبض عليها ومعاينة جهازها ( الكمبيوتر) سيكفيك الله شرها ويبين الحق إن شاء الله تعالى .
الرسالة الثانية : لصديقتكِ
1. يجب عليكِ أن تتوبي إلى الله وتستغفرينه مما حصل منكِ ، واعلمي أنكِ قد ارتكبتِ ذنوباً كثيرة ، وتسببتِ بمفاسد متعددة ، فقد خنتِ صديقتكِ ، واتهمتيها زوراً وبهتاناً ، وساهمتِ في نشر المنكر من الصور القبيحة التي رأيتِيها ودبلجتيها على صورة صديقتك ، وأخذتِ منها المال بغير حق ، وتسببتِ في أذيتها ، وتسببتِ في قطيعة الرحم .
2. ومن تمام توبتكِ : الاعتراف بخطئكِ لصديقتكِ ، ولأمها ، ولخالتها ، ولا يقبل الله تعالى توبتكِ إلا بهذا ؛ لأن من شرط التوبة : إصلاح ما فسد بالمعصية ، قال تعالى : ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/160 ، واعلمي أنه باعترافكِ بفعلكِ ستفرجين كرب صديقتكِ ، وترفعين التهمة الباطلة عنها ، وعمُر الإنسان قصير ، ثم سيلقى ربه تعالى بأعماله ، فإياكِ أن تلقي ربك بتلك الأفعال من غير توبة صادقة منها ..
3. ومن تمام توبتك : إرجاع المال الذي أخذتيه بغير حق لصديقتك .
4. ومن تمام توبتكِ : إتلاف الصورة بالكلية ، وعدم معاودة الذنب مع صديقتك ، ولا مع غيرها .
الرسالة الثالثة : لخالتكِ
1. يا خالتَنا العزيزة : اعلمي أن الله تعالى مطلع عليكِ ، سامع لقولك ، يعلم السر وأخفى ، ولا نريد لكِ إلا الخير ، فمثْلك يكون مرجعاً في الملمات والمشكلات ، وعند أمثالك يطلب التائهون الدلالة على الطريق ، وفي حضنك ترتمي بناتك وبنات أخواتك ؛ لأنكِ الصدر الحنون والقلب الرحيم الذي يعرفونه ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال : ( الخَالَةُ بِمَنْزَلَةِ الأُم ) رواه البخاري ( 2553 ) .
2. يا خالتنا العزيزة : سنسألك سؤالا واحداً نرجو أن تجيبي بينك وبين نفسك : ماذا لو حصل مثل هذا الموقف – لا قدَّر الله – مع إحدى بناتك ؟ وماذا لو كانت فعلتْ مثل ما فعلت ابنة أختك ؟ فهل ترضين أن يكون موقف خالتها مثل موقفك الآن ؟ إننا نجزم بما نعتقده فيك ونحسن الظن بك أنك لن ترضي ذلك ، فلمَ إذن ترضينه لنفسك ؟ ولا تستبعدي شيئاً عن أهل الشر أن يفعلوه ، ولا تستبعدي شيئاً عن أهل الخير أن يقعوا فيه ظلماً وبغياً .
إننا لنرجو لكِ ولأبنائك وبناتك الخير ، ونرجو أن يتسع صدرك لتقبل الحقيقة ، ومعرفة براءة ابنة أختك من التهمة الباطلة التي ألصقتها بها صديقتها ، ونحن قد نصحنا صديقتها بالتوبة والاعتراف لكم بالحقيقة ، فلعلَّ الله أن يهديها ، وتعترف أمامكم بقبيح جرمها ، لكن نطلب منكِ التأمل في هذا الاتهام الباطل ، وأن تعلمي أنه محض افتراء ، ورجاحة عقلك ، وسعة صدرك يحتمان عليك أن يكون موقفك مثاليّاً .
3. يا خالتنا العزيزة : إن نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم قد أمركِ بأمرٍ لا نظنك إلا أن تنفذيه طائعة مستجيبة لأمره ، وهذا الأمر هو : أنه من حلف لكِ بالله فيجب عليك أن تصدقيه ، وأن ترضي بيمينه ، وليس عندك يقين يقابل يمين ابنة أختك ، فليس لك إلا الطاعة لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، والاستجابة لأمره .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُما قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ ) .
رواه ابن ماجه ( 2101 ) ، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 11 / 536 ) والألباني في " صحيح الترغيب " ( 2951 ) .
قال السندي – رحمه الله – على هامش " سنن ابن ماجه " :
( ومن حُلف له ) أي : حُلف بالله لإرضائه .
( فليس مِن الله ) أي : من قُربه في شيء .
والحاصل : أن أهل القرب ( يعني : من الله ) يصدِّقون الحالف فيما حلف عليه ؛ تعظيماً لله ، ومَن لا يصدقه مع إمكان التصديق : فليس منهم . انتهى .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن – رحمه الله - :
وقوله : ( مَن حُلف له بالله فليرض ، ومن لم يرض فليس من الله ) : أما إذا لم يكن له بحكم الشريعة على خصمه إلا اليمين فأحلفه : فلا ريب أنه يجب عليه الرضا ، وأما إذا كان فيما يجري بين الناس مما قد يقع في الاعتذارات من بعضهم لبعض ونحو ذلك : فهذا من حق المسلم على المسلم : أن يقبل منه إذا حلف له معتذراً أو متبرئاً من تهمة ، ومن حقه عليه : أن يحسن به الظن إذا لم يتبين خلافه ، كما في الأثر عن عمر رضي الله عنه : ( ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرّاً وأنت تجد لها في الخير محملاً ) .
وفيه : من التواضع والألفة والمحبة وغير ذلك من المصالح التي يحبها الله ما لا يخفى على من له فهم ، وذلك من أسباب اجتماع القلوب على طاعة الله ، ثم إنه يدخل في حسن الخلق الذي هو أثقل ما يوضع في ميزان العبد ، كما في الحديث ، وهو من مكارم الأخلاق .
" فتح المجيد " ( ص 405 ) .
ونرجو يا خالتَنا العزيزة التأمل في كلام هذا الشيخ – رحمه الله – فإنه في صميم مسألتكم وقضيتكم ، فمن حق ابنة أختك عليك أن تقبلي منها يمينها ، ومن حقها عليكِ أن تحسني الظن بها .
وهل علمتِ يا خالتَنا العزيزة ماذا فعل عيسى عليه السلام عندما رأى رجلاً يسرق ، فحلف له ذلك الرجل بالله أنه لم يسرق ؟ اقرئي وتأملي :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ : ( رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ ، فَقَالَ لَهُ : أَسَرَقْتَ ؟ قَالَ : كَلَّا وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، فَقَالَ عِيسَى : آمَنْتُ بِاللَّهِ ، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي ) . رواه البخاري ( 3260 ) ومسلم ( 2368 ) .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
" ومعنى الحديث : أن المسيح - عليه السلام - لعظمة وقار الله في قلبه وجلاله ظن أن هذا الحالف بوحدانية الله تعالى صادق ، فحمله إيمانه بالله على تصديقه ، وجوَّز أن يكون بصره قد كذبه ، وأراه ما لم ير ، فقال : " آمنت بالله وكذبت بصري " .
ولا ريب أن البصر يعرض له الغلط ورؤية بعض الأشياء بخلاف ما هي عليه ، ويخيِّل ما لا وجود له في الخارج ، فإذا حكم عليه العقل تبين غلطه ، والمسيح صلوات الله عليه وسلامه حكَّم إيمانه على بصره ، فكذَّب بصره ، ونسب الغلط إليه .
" بدائع الفوائد " ( 3 / 1159 ، 1160 ) .
وإننا لنرجو أن يكون ما ذكرناه كافياً لقبول يمين ابنة أختك ، ورفع التهمة عنها ، ولا يسعك مخالفة الشرع في رفض هذا الحكم ، ظننا بك لن يخيب إن شاء الله .
4. يا خالتَنا العزيزة : نختم معك هذه الرسالة بالقول أنه لو كان – لا قدر الله – قد حصل من ابنة أختك الذنب والخطأ ، ولن نقول إنك علمتِ ذلك من طرفٍ ثالث ، بل سنقول إنك رأيتِ ذلك بنفسك ، أتدرين ما الذي يجب عليك فعله ؟ إنه الستر عليها ! نعم ستر ذنبها ، وعدم إشاعته بين الناس ، أتدرين ما الأجر المترتب على ذلك ؟ إنه الستر عليكِ في الدنيا والآخرة من قبَل ربنا تبارك وتعالى .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) . رواه مسلم ( 2699 ) .
وتأملي ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل دفع زانياً للاعتراف بذنبه ، قال له : ( لو سترته بثوبك كان خيراً لك ) !
رواه أبو داود ( 4377 ) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 2335 ) .
وتأملي الوعيد المترتب على من كشف عورة أخيه – وحاشاكِ من ذلك ؛ لأن عرض ابنة أختك هو عرضك ، والمسيء إليها مسيء إليك - .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ ) .
رواه ابن ماجه ( 2546 ) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 2338 ) .
فيا خالتَنا العزيزة :
اعذرينا على الإطالة ، ولم نطل إلا من حرقتنا على قطيعة رحم كانت بسبب حسن ظن ابنة أختك بالناس ، ومن حرقتنا على عرضٍ يتهم بغير حق ، فلم تري شيئاً بنفسكِ ، ولم تعترف ابنة أختك بذنبها ، بل حلفت لك اليمين وأعلمتكِ بصديقتها التي سبَّبت لها الأذى ، فأي عذرٍ بقي لأحدٍ أن يتهمها أو يتكلم في عرضها .
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقكم لكل خير ، وأن يجنبكم الشر وأهله ، وأن يجمع بينكم على خير ، وأن يعيد ما بينكم من روابط أقوى مما كانت .
والله الموفق
تعليق