الحمد لله.
الحكم على الشخص المدان ، والمعروضة قضيته على هيئة المحكمة بكونه مذنباً أو ليس بمذنب : يعدُّ حكماً ، وقضاءً ، ومن شرط الحكم والقضاء أن يكون مبنيّاً على كتاب الله ، وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم ، حتى لو كان ذلك في الحكم على الكفَّار ، أو فيما بينهم .
قال الله تعالى : ( فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) المائدة/42 .
وقال تعالى : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ) المائدة/49 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
"(وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزلَ اللَّهُ) هذه الآية هي التي قيل : إنها ناسخة لقوله : (فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) ، والصحيح : أنها ليست بناسخة ، وأن تلك الآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم مخيَّر بين الحكم بينهم ، وبين عدمه ، وذلك لعدم قصدهم بالتحاكم للحق ، وهذه الآية تدل على أنه إذا حكم : فإنه يحكم بينهم بما أنزل الله ، من الكتاب ، والسنَّة ، وهو القسط الذي تقدم أن الله قال : (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ) ، ودلَّ هذا على بيان القسط ، وأن مادته هو ما شرعه الله من الأحكام ، فإنها المشتملة على غاية العدل ، والقسط ، وما خالف ذلك : فهو جور ، وظلم" انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 234) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"ليس لأحدٍ أن يحكم بين أحد من خلق الله ، لا بين المسلمين ، ولا الكفار ، ولا الفتيان ، ولا رماة البندق ، ولا الجيش ، ولا الفقراء ، ولا غير ذلك ، إلا بحكم الله ، ورسوله ، ومن ابتغى غير ذلك : تناوله قوله تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، وقوله تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (35/407 ، 408) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"لا يجوز أن يعمل المسلم قاضياً إلا في المحاكم الشرعية ، التي تطبق شرع الله في جميع أحكامها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة" ( 12 / 136 ، 137 ) .
ولا يخفى على أحد أن مرجع الحكم على الناس في تلك البلاد المسؤول عنها ، وفي كثير من البلاد الإسلامية – وللأسف – ليس هو الكتاب والسنَّة ، وعليه ؛ فسيكون الانطلاق من الحكم على الناس – مسلمين وكفاراً – إنما هو من القوانين الوضعية ، والتي تضاد في تشريعاتها تشريعات رب العالمين .
وعلى هذا ، فلا يجوز العمل في هيئة المحلفين ، بل ولا في أي قسم من أقسام المحاكم التي تحكم بين الناس بغير شرع الله تعالى .
والله أعلم
تعليق