الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حكم لعب البلياردو ودفع الخاسر لإيجار اللعبة

تاريخ النشر : 09-04-2003

المشاهدات : 106697

السؤال

نلعب البلياردو للتسلية ونلعب أحياناً أن الخاسر هو الذي يدفع إيجار الطاولة ، فهل هذا يجوز ؟.

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

إن المتأمل في حال الشباب اليوم يجد أكثرهم قد انصرفوا عن الجد والاجتهاد في تحصيل العلم النافع ، أو الرزق الحلال الطيب ، وهم يقتلون أوقاتهم قتلاً ، ويضيعونها بغير المفيد ، مما يسبب لهم مشكلات نفسية وأمراض عضوية .

وقد مرَّ بعض السلف على أناس يلعبون فقال : وددتُ أن الوقت يُشترى بالمال فأشتري أوقات هؤلاء !

نعم ، أولئك الكبار العظماء ما كانت تكفيهم ساعات اليوم للبحث والمطالعة والجد والاجتهاد ، وقد قللوا من نومهم وأكلهم لئلا تفوت عليهم الأوقات .

ثم نجد من الشباب ما يُحزن من تضييعٍ لأفضل سنوات أعمارهم باللهو واللعب ، ولا نود من إخواننا الشباب أن يحرموا ما أحلَّ الله من اللهو المباح واللعب الجائز ، لكن نود منهم أن لا يكون هذا هو شغلهم الشاغل ، وهي حياتهم في الليل والنهار ، وأن يبحثوا عن اللعبة المفيدة لعقولهم وأجسادهم وتنمية مهاراتهم .

ثانياً :

لعب البلياردو داخل النوادي لا يجوز ، لا من حيث حرمة اللعبة ذاتها ، بل لأن هذه النوادي يكثر فيها المنكرات من السب والشتم وترك الصلوات والميسر ، واللعب فيها سكوت عن المنكر من غير حاجة للبقاء في هذا المكان .

وأما اللعب بها في مكانٍ ليس فيه منكرات : فلا حرج من اللعب بها ، لكن بشروط ، ومنها :

1. أن تخلو من الرهان .

2. أن لا يكون فيها سب وشتم واحتقار وحقد وكراهية .

3. أن لا تضيِّع واجبات كالصلاة وطلب العلم والقيام على الأهل وتربيتهم وتأديبهم .

وقد سبق أن ذكرنا أن عامة الفقهاء على تحريم الشطرنج ، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأنه من أجازها فإنما أجازها بتلك الشروط وما شابهها ، وعند التأمل في لعب الشباب نجد أن تحقق هذه الشروط يكاد أن يكون معدوماً .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الشطرنج – وكلامه ينطبق أيضاً على البلياردو ونحوها مما يلعب به الشباب اليوم :

والمقصود أن الشطرنج متى شغل عما يجب باطناًَ أو ظاهراً فهو حرام باتفاق العلماء . وشغله عن إكمال الواجبات أوضح من أن يحتاج إلى بسط ، وكذلك لو شغل عن واجب من غير الصلاة : من مصلحة النفس أو الأهل أو الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أو صلة الرحم أو بر الوالدين أو ما يجب فعله من نظر في ولاية أو إمامة أو غير ذلك من الأمور .

وقلَّ عبدٌ اشتغل بها إلا شغلتْه عن واجب ، فينبغي أن يُعرف أن التحريم في مثل هذه الصورة متفق عليه ، وكذلك إذا اشتملت على محرم أو استلزمت محرَّماً : فإنها تحرم بالاتفاق ، مثل اشتمالها على الكذب واليمين الفاجرة أو الخيانة التي يسمونها المغاضاة أو على الظلم أو الإعانة عليه : فإن ذلك حرام باتفاق المسلمين ولو كان ذلك في المسابقة والمناضلة فكيف إذا كان بالشطرنج والنرد ونحو ذلك ؟ .

، وكذلك إذا قدر أنها مستلزمة فساداً غير ذلك : مثل اجتماع على مقدمات الفواحش ، أو التعاون على العدوان أو غير ذلك ، أو مثل أن يفضي اللعب بها إلى الكثرة والظهور الذي يشتمل معه على ترك واجب أو فعل محرم ، فهذه الصورة وأمثالها مما يتفق المسلمون على تحريمها فيها .

" مجموع الفتاوى " ( 32 / 218 ) .

ثانياً :

وأما بالنسبة لكون الخاسر هو الذي يدفع إيجار الطاولة : فإن هذا من الميسر ، وهو محرَّم لقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون المائدة / 90 ، 91 .

لأن الأصل أن يكون إيجار هذه اللعبة – إن خلت من المحرم – على جميع اللاعبين فيكون اللاعب داخلاً بين أن يخسر بأن يدفع لنفسه ولغيره أو يكسب فيسقط عنه نصيبه من الإيجار وهذا يسمى السبق وهو ما يجعل من المال رهناً على المسابقة ، وهو لا يجوز في الشريعة إلا في ما ورد به النص مما يستعان به على الجهاد ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا سبق إلا في نصل أو خف أو حاف ) رواه الترمذي ( 1700 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

أي في الرماية أو المسابقة بالخيل أو الإبل ، وقاس عليها العلماء ما كان مثلها مما يستعان به على الجهاد ، وألحق بها بعضهم المسابقات التي تكون في العلم الشرعي لأن به نصرة الشريعة كالجهاد وبالسيف أو أكثر .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة عن لعبة " البيبي فوت " وعن حكم دفع المغلوب لثمن اللعب بها فقالوا :

إذا كان حال هذه اللعبة ما ذكرت من وجود تماثيل بالمنضدة التي يُلعب عليها ، ودفع المغلوب أجرة استعمال اللعبة لصاحبها : فهي محرَّمة لأمور :

أولاً : أن الاشتغال بهذه اللعبة من اللهو الذي يقطع على اللاعب بها فراغه ، ويضيع عليه الكثير من مصالح دينه ودنياه ، وقد يصير اللعب بها عادة له ، وذريعة إلى ما هو أشد من ذلك من أنواع المقامرة ، وكل ما كان كذلك فهو باطل محرَّم شرعاً .

ثانياً : صنع التماثيل والصور واقتناؤها من كبائر الذنوب ، للأحاديث الصحيحة التي توعَّد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك بالنار والعذاب الأليم .

ثالثاً : دفع المغلوب أجرة استعمال اللعبة : محرَّم ؛ لأنه إسراف وإضاعة للمال بإنفاقه في لعب ولهو ، وإيجار اللعبة : عقد باطل ، وكسب صاحبها منها : سحت وأكل للمال بالباطل ، فكان ذلك من الكبائر والقمار المحرَّم .

" فتاوى إسلاميَّة " ( 4 / 439 ) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب