الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

أسلم والداه سرا قبل زواجهما وعقد نكاحهما قادياني، فهل يكون ولدا غير شرعي؟

تاريخ النشر : 22-02-2016

المشاهدات : 13158

السؤال


أنا شاب أبلغ من العمر 28 سنة ، وقبل بضعة أيام أخبرني والداي أنهم قبل زواجهم كانوا على مذهب القاديانية ولكن قبل عقد نكاحهم بعدة أشهر من زواجهم اعتنقوا الإسلام في السر، ولكن عند عقد نكاحهم ولتفادي إخبار أقاربهم بحقيقة إسلامهم تم عقد نكاحهم من قبل شيخ قادياني ، ولم يجددوا عقد نكاحهم على يد شيخ من أهل السنة إلا بعد ولادتي وهو أمر أزعجني لذا سؤالي: هل يعني ذلك أنني ابن زنا؟ وهل يجعلني ذلك قادياني وبالتالي يجب علي التوبة واعتناق الإسلام على الرغم من أنني لم أتبع القاديانية في حياتي؟

الجواب

الحمد لله.


نحمد الله تعالى على ما أنعم به عليك وعلى والديك من مفارقة هذه الفرقة المعروفة بـــ (القاديانية) ، لأنها فرقة من الفرقة الضالة ، وملة من ملل الكفر ليسوا من الإسلام في شيء ، وقد سبق بيان حكم هؤلاء الضالين وحقيقة ملتهم الفاجرة في الفتوى رقم : (4060).

وأما ما حدث من والديك من كتمان إيمانهما قبل الزواج خوفا من بطش أقاربهم : فهذا أمر لا حرج فيه إن شاء الله تعالى ، فقد شرع الله تعالى لعباده المؤمنين أن يسروا إسلامهم إذا اضطروا لذلك .

قال الله تعالى : ( لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) آل عمران/ 28.
قال ابن كثير رحمه الله : " قوله: (إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) أي: إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم ، فله أن يتقيهم بظاهره ، لا بباطنه ونيته ؛ كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: " إنَّا لَنَكْشرُ فِي وُجُوهِ أقْوَامٍ وَقُلُوبُنَا تَلْعَنُهُمْ " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2 /30) .
ويراجع للفائدة الفتوى رقم :(178975) .

وما حدث من تولي بعض القاديانيين لعقد النكاح، فهذا لا يضر - إن شاء الله تعالى - سواء أكان ولي المرأة كافرا أم مسلما ؛ لأنه إن كان مسلما فلا إشكال ، لأن العقد قد تم بينه وبين الزوج المسلم ، وتولي هذا القادياني للعقد لا تزيد عن كونه يقوم ببعض الترتيبات الإدارية ، والتوثيق فقط .
وإن كان ولي المرأة كافرا فلا ولاية له عليها؛ لأن الله تعالى قد قطع الولاية بين المسلمين والكفار ، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم .
إلا أنه عند الضرورة والضيق : يتوسع الأمر ، وعند العسر : يتيسر الأمر ، لما تقرر في دين الله تعالى وشريعته المباركة من رفع الحرج ، وعدم إرادة العسر ، قال تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)البقرة/ 185، وقال تعالى (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة/ 6 ، وقال تعالى : (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/ 78.
ومن المعلوم أن مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يشترط الولي في النكاح أصلا ، وهو وإن كان خلاف مذهب الجمهور ؛ إلا أنه لا بأس بالعمل به في الضرورة ، وعند وقوع الحاجة وحصول الخوف كما في نازلتكم ، لا سيما وأن مذهب أبي حنيفة رحمه الله هو المذهب الشائع ، المعول عليه في القضاء وأمور المعاملات في بلادكم .

وقد قرر العلامة الشاطبي أن النكاح بدون ولي : إذا وقع ، وحصل الدخول ؛ فإنه يحكم بصحته ، فقال رحمه الله في "الموافقات" (5 / 191): " وفي الحديث: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل باطل باطل)، ثم قال: (فإن دخل بها، فلها المهر بما استحل منها) ، وهذا تصحيح للمنهي عنه من وجه، ولذلك يقع فيه الميراث ويثبت النسب للولد .
وإجراؤهم النكاح الفاسد مجرى الصحيح ، في هذه الأحكام ، وفي حرمة المصاهرة وغير ذلك: دليل على الحكم بصحته على الجملة، وإلا كان في حكم الزنى، وليس في حكمه ، باتفاق.
فالنكاح المختلف فيه : قد يُراعى فيه الخلاف ، فلا تقع فيه الفرقة إذا عثر عليه بعد الدخول، مراعاة لما يقترن بالدخول من الأمور التي ترجح جانب التصحيح.
وهذا كله نظر إلى ما يؤول إليه ترتب الحكم بالنقض والإبطال ، من إفضائه إلى مفسدة توازي مفسدة مقتضى النهي ، أو تزيد" انتهى.

وقد ذكرت أن والديك قد قاما بتجديد عقد الزواج بعد ولادتك ، وبذلك يكونان قد خرجا من الخلاف والإشكال .

أما مسألة الإشهاد فما دام النكاح قد حصل إعلانه بين الناس -وهذا ظاهر من سؤالكم- فإن ذلك يغني عن الإشهاد ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (145428).

وعلى هذا فإن نكاح والديك يحكم بصحته لما عرض له من ملابسات الخوف والاضطرار التي عهد من الشرع الترخص عندها ، ولما علم من تشوف الشرع إلى تصحيح عقود المسلمين ، وخصوصا العقود الخطيرة كعقد النكاح .

ثم إنه إذا افترضنا جدلا أن نكاحهما فاسد ، وأن عليهما تصحيحه ؛ فإن ذلك لا يعني ـ بحال ـ أنك ابن زنا ، فإن مثل هذه النكاح يثبت به النسب والميراث ، كما قلنا ، ولا يكون ولده ابن زنا ، في قول أحد نعلمه من أهل العلم ، فلا وجه للوسوسة بذلك ، أو القلق منه .

كما أنك مسلم بفضل الله عليك ، لأن الطفل الذي يولد لأبوين مسلمين يحكم بإسلامه ، بإجماع العلماء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الطفل إذا كان أبواه مسلمين : كان مسلماً تبعاً لأبويه ، باتفاق المسلمين" . انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/437) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب