الحمد لله.
نحمد الله تعالى على ما أنعم به عليك وعلى والديك من مفارقة هذه الفرقة المعروفة بـــ (القاديانية) ، لأنها فرقة من الفرقة الضالة ، وملة من ملل الكفر ليسوا من الإسلام في شيء ، وقد سبق بيان حكم هؤلاء الضالين وحقيقة ملتهم الفاجرة في الفتوى رقم : (4060).
وأما ما حدث من والديك من كتمان إيمانهما قبل الزواج خوفا من بطش أقاربهم : فهذا أمر لا حرج فيه إن شاء الله تعالى ، فقد شرع الله تعالى لعباده المؤمنين أن يسروا إسلامهم إذا اضطروا لذلك .
قال الله تعالى : ( لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ
مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي
شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) آل عمران/ 28.
قال ابن كثير رحمه الله : " قوله: (إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) أي: إلا
من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم ، فله أن يتقيهم بظاهره ، لا بباطنه
ونيته ؛ كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: " إنَّا لَنَكْشرُ فِي وُجُوهِ
أقْوَامٍ وَقُلُوبُنَا تَلْعَنُهُمْ " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2 /30) .
ويراجع للفائدة الفتوى رقم :(178975) .
وما حدث من تولي بعض القاديانيين لعقد النكاح، فهذا لا يضر - إن شاء الله تعالى
- سواء أكان ولي المرأة كافرا أم مسلما ؛ لأنه إن كان مسلما فلا إشكال ، لأن العقد
قد تم بينه وبين الزوج المسلم ، وتولي هذا القادياني للعقد لا تزيد عن كونه يقوم
ببعض الترتيبات الإدارية ، والتوثيق فقط .
وإن كان ولي المرأة كافرا فلا ولاية له عليها؛ لأن الله تعالى قد قطع الولاية بين
المسلمين والكفار ، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم .
إلا أنه عند الضرورة والضيق : يتوسع الأمر ، وعند العسر : يتيسر الأمر ، لما تقرر
في دين الله تعالى وشريعته المباركة من رفع الحرج ، وعدم إرادة العسر ، قال تعالى :
(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)البقرة/ 185،
وقال تعالى (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة/ 6 ،
وقال تعالى : (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
حَرَجٍ) الحج/ 78.
ومن المعلوم أن مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يشترط الولي في النكاح
أصلا ، وهو وإن كان خلاف مذهب الجمهور ؛ إلا أنه لا بأس بالعمل به في الضرورة ،
وعند وقوع الحاجة وحصول الخوف كما في نازلتكم ، لا سيما وأن مذهب أبي حنيفة رحمه
الله هو المذهب الشائع ، المعول عليه في القضاء وأمور المعاملات في بلادكم .
وقد قرر العلامة الشاطبي أن النكاح بدون ولي : إذا وقع ، وحصل الدخول ؛ فإنه
يحكم بصحته ، فقال رحمه الله في "الموافقات" (5 / 191): " وفي الحديث: (أيما امرأة
نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل باطل باطل)، ثم قال: (فإن دخل بها، فلها المهر
بما استحل منها) ، وهذا تصحيح للمنهي عنه من وجه، ولذلك يقع فيه الميراث ويثبت
النسب للولد .
وإجراؤهم النكاح الفاسد مجرى الصحيح ، في هذه الأحكام ، وفي حرمة المصاهرة وغير
ذلك: دليل على الحكم بصحته على الجملة، وإلا كان في حكم الزنى، وليس في حكمه ،
باتفاق.
فالنكاح المختلف فيه : قد يُراعى فيه الخلاف ، فلا تقع فيه الفرقة إذا عثر عليه بعد
الدخول، مراعاة لما يقترن بالدخول من الأمور التي ترجح جانب التصحيح.
وهذا كله نظر إلى ما يؤول إليه ترتب الحكم بالنقض والإبطال ، من إفضائه إلى مفسدة
توازي مفسدة مقتضى النهي ، أو تزيد" انتهى.
وقد ذكرت أن والديك قد قاما بتجديد عقد الزواج بعد ولادتك ، وبذلك يكونان قد خرجا من الخلاف والإشكال .
أما مسألة الإشهاد فما دام النكاح قد حصل إعلانه بين الناس -وهذا ظاهر من سؤالكم- فإن ذلك يغني عن الإشهاد ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (145428).
وعلى هذا فإن نكاح والديك يحكم بصحته لما عرض له من ملابسات الخوف والاضطرار التي عهد من الشرع الترخص عندها ، ولما علم من تشوف الشرع إلى تصحيح عقود المسلمين ، وخصوصا العقود الخطيرة كعقد النكاح .
ثم إنه إذا افترضنا جدلا أن نكاحهما فاسد ، وأن عليهما تصحيحه ؛ فإن ذلك لا يعني ـ بحال ـ أنك ابن زنا ، فإن مثل هذه النكاح يثبت به النسب والميراث ، كما قلنا ، ولا يكون ولده ابن زنا ، في قول أحد نعلمه من أهل العلم ، فلا وجه للوسوسة بذلك ، أو القلق منه .
كما أنك مسلم بفضل الله عليك ، لأن الطفل الذي يولد لأبوين مسلمين يحكم بإسلامه
، بإجماع العلماء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الطفل إذا كان أبواه مسلمين : كان
مسلماً تبعاً لأبويه ، باتفاق المسلمين" . انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/437) .
والله أعلم.
تعليق