هل يتركون مكاناً في الصف الأول للمتأخرين عن الصلاة ؟ وشيء من أحكام الصفوف
نحن مجموعة من الطلبة المغتربين بدولة غير إسلامية ، ونحن نجتمع يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة ، وأحياناً قليلة بعض الصلوات الأخرى ، المكان الذي نصلي فيه هو عبارة عن شقة مؤجرة كمشروع للأطعمة الحلال ، ومكان لصلاة الجمعة أساساً ، وقد قمت بنصح الإخوة بإتمام الصف الأول ، وتسوية الصفوف في الصلاة ، ولكن بعد فترة بسيطة طلب أحد الأشخاص أن نترك فرجة في الصف الأول نظراً لأن الباب في المقدمة ، وإذا حضر أحدٌ متأخراً فسيجد صعوبة في المرور للخلف مع تعليقه بأننا يجب ألا نركز على تلك الأمور الصغيرة - حسب تعبيره - ونهتم أساسا بالخشوع في الصلاة ، كما يسأل لما لا نجعل الإسلام بسيطا ؟ وضرب أمثلة لذلك مثل أن بعض العلماء يحرِّم ارتداء النساء للبنطلونات ، والتي في رأيه الشخصي ليس بها شيء ! كما علق أحد الإخوة قائلا : إن الإسلام ليس بهذا الضيق ، المهم هو : أنه لا يحدث هذا الزحام البسيط إلا في صلاة الجمعة ؛ نظرا لحضور الأغلبية فيها ، فهل يجب ألا نكمل الصف الأول ، وأن نترك فرجة دائمة في الصفوف لاحتمال وصول أحد الإخوة متأخراً ؟ كما أرجو منكم التعليق على كل ما ورد في السؤال .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ بمجرد الرأي والهوى والاستحسان ، وإنما
تؤخذ من الأدلة الشرعية : الكتاب والسنة وإجماع العلماء ، والقياس الصحيح ، وأقوال
الصحابة رضي الله عنهم ، ويسترشد في ذلك ويستعان بأقوال الأئمة وعلماء الأمة ،
كالأئمة الأربعة وغيرهم .
وقول صاحبك : "إن لبس النساء للبنطلون في رأيه الشخصي ليس فيه شيء" .
فرأيه الشخصي ليس دليلا من أدلة الأحكام الشرعية ، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في دين
الله إلا بعلم ، فلا يتكلم في الأحكام الشرعية إلا من عنده علم بها ، ويكون هذا
العلم مبنيا على الأدلة الشرعية الصحيحة .
وقد سبق في جواب السؤال (60131)
بيان حكم لبس النساء للبنطلون .
ثانياً :
لا يجوز وصف شيء شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بأنه – صغير- فإن هذا
يعد استهانة بالسنة والشرع ، وذلك أمر خطير على الإيمان . فكل ما شرعه الله فهو
عظيم ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ
تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32
، وقال تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ
رَبِّهِ) الحج/30
.
ثالثاً :
الأصل أن تكون صفوف الصلاة تامة ، ومتراصة ، ومتقاربة ، فلا يُبدأ بالصف الثاني مع
وجود نقص في الصف الأول ، وهكذا في الثاني بالنسبة للثالث ، ويجب التراص في الصفوف
، وهكذا هي صفوف الملائكة عند ربها .
فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ
الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا . فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ
الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ؟ قَالَ : يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ ،
وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ ) . رواه مسلم
(430) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ، ثُمَّ الَّذِي
يَلِيهِ ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ ) .
رواه أبو داود (671) ، وصححه الألباني في "
صحيح أبي داود " .
قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله :
"دل الحديث على جعل النقصان في الصف الأخير"
انتهى .
"عون المعبود" ( 2 / 260 ) .
قال النووي رحمه الله :
وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول ، والتراص في الصفوف ، ومعنى إتمام الصفوف الأول :
أن يتم الأول ، ولا يشرع في الثاني حتى يتم الأول ، ولا في الثالث حتى يتم الثاني ،
ولا في الرابع حتى يتم الثالث ، وهكذا إلى آخرها .
" شرح مسلم " ( 4 / 115 )
.
وقال الصنعاني رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على وجوب تسوية الصفوف :
وهذه الأحاديث والوعيد الذي فيها دالة على وجوب ذلك ، وهو مما تساهل فيه الناس ،
كما تساهلوا فيما يفيده حديث أنس عنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ( أتموا الصف
المقدم ، ثم الذي يليه ، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر )
أخرجه أبو داود
، فإنك ترى الناس في المسجد يقومون للجماعة وهم لا يملؤون الصف الأول لو قاموا فيه
, فإذا أُقيمت الصلاة : يتفرقون صفوفًا على اثنين ، وعلى ثلاثة ، ونحوه .
" سبل السلام " ( 2 / 29 )
.
رابعاً :
سبق في جواب السؤال (11199)
أن من صلَّى خلف الصف وحده مع وجود فرجة في الصف الذي أمامه : فإن صلاته باطلة ،
لذا فليكن هذا في البال عند من يريد ترك فرجة في الصف المتقدم عنه .
خامساً:
بعض الناس قد يجعل فرجة في الصفوف الأولى ليمكِّن المتأخرين من الصلاة فيها ظانين
أنه لا يجوز لأولئك المتأخرين المشي بين الصفوف ، والمرور أمامهم ، ومن المعلوم أن
سترة الإمام سترة لمن خلفه ، فلا يؤثر على المصلين المؤتمين مرور أحد أمامهم في
الجماعة ، حتى لو كان مما تبطل الصلاة بمروره .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
هل المرور بين صفوف المصلين يقطع الصلاة أو ينقص من أجر المصلي ؟ .
فأجاب :
لا يضر ، إذا مر بين يدي الصفوف ؛ لأن سترة الإمام سترة لهم ، وقد أقر النبي صلى
الله عليه وسلم عبدَ الله بن عباس رضي الله عنهما حين مرَّ بين يدي بعض الصف ، وهم
يصلون في مِنى .
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" ( 13 / جواب
السؤال رقم 421 ) .
وإذا كان مرور المتأخر سيؤدي إلى التشويش على المصلين وإشغالهم وتحريكهم ، فالذي
يظهر لنا أنه لا بأس بجعل طريق خاص ضيق بجانب الصفوف يمتد إلى آخر المسجد ، يمر فيه
من يأتي متأخراً حتى يقف في الصف الأخير ، فهو أفضل من ترك فرجة في الصف نفسه ،
فيُجمع بذلك بين تسوية الصفوف ، وإتمامها ، وحتى لا يحدث المتأخر تشويشاً على
المصلين وإشغالاً لهم إذا حاول المرور من بينهم .
والله أعلم