الحمد لله.
أولاً:
يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ بمجرد الرأي والهوى والاستحسان ، وإنما تؤخذ من الأدلة الشرعية : الكتاب والسنة وإجماع العلماء ، والقياس الصحيح ، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم ، ويسترشد في ذلك ويستعان بأقوال الأئمة وعلماء الأمة ، كالأئمة الأربعة وغيرهم .
وقول صاحبك : "إن لبس النساء للبنطلون في رأيه الشخصي ليس فيه شيء" .
فرأيه الشخصي ليس دليلا من أدلة الأحكام الشرعية ، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في دين الله إلا بعلم ، فلا يتكلم في الأحكام الشرعية إلا من عنده علم بها ، ويكون هذا العلم مبنيا على الأدلة الشرعية الصحيحة .
وقد سبق في جواب السؤال (60131) بيان حكم لبس النساء للبنطلون .
ثانياً :
لا يجوز وصف شيء شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بأنه – صغير- فإن هذا يعد استهانة بالسنة والشرع ، وذلك أمر خطير على الإيمان . فكل ما شرعه الله فهو عظيم ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32 ، وقال تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج/30 .
ثالثاً :
الأصل أن تكون صفوف الصلاة تامة ، ومتراصة ، ومتقاربة ، فلا يُبدأ بالصف الثاني مع وجود نقص في الصف الأول ، وهكذا في الثاني بالنسبة للثالث ، ويجب التراص في الصفوف ، وهكذا هي صفوف الملائكة عند ربها .
فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا . فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ؟ قَالَ : يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ ) . رواه مسلم (430) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ ) . رواه أبو داود (671) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله :
"دل الحديث على جعل النقصان في الصف الأخير" انتهى .
"عون المعبود" ( 2 / 260 ) .
قال النووي رحمه الله :
وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول ، والتراص في الصفوف ، ومعنى إتمام الصفوف الأول : أن يتم الأول ، ولا يشرع في الثاني حتى يتم الأول ، ولا في الثالث حتى يتم الثاني ، ولا في الرابع حتى يتم الثالث ، وهكذا إلى آخرها .
" شرح مسلم " ( 4 / 115 ) .
وقال الصنعاني رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على وجوب تسوية الصفوف :
وهذه الأحاديث والوعيد الذي فيها دالة على وجوب ذلك ، وهو مما تساهل فيه الناس ، كما تساهلوا فيما يفيده حديث أنس عنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ( أتموا الصف المقدم ، ثم الذي يليه ، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر ) أخرجه أبو داود ، فإنك ترى الناس في المسجد يقومون للجماعة وهم لا يملؤون الصف الأول لو قاموا فيه , فإذا أُقيمت الصلاة : يتفرقون صفوفًا على اثنين ، وعلى ثلاثة ، ونحوه .
" سبل السلام " ( 2 / 29 ) .
رابعاً :
سبق في جواب السؤال (11199) أن من صلَّى خلف الصف وحده مع وجود فرجة في الصف الذي أمامه : فإن صلاته باطلة ، لذا فليكن هذا في البال عند من يريد ترك فرجة في الصف المتقدم عنه .
خامساً:
بعض الناس قد يجعل فرجة في الصفوف الأولى ليمكِّن المتأخرين من الصلاة فيها ظانين أنه لا يجوز لأولئك المتأخرين المشي بين الصفوف ، والمرور أمامهم ، ومن المعلوم أن سترة الإمام سترة لمن خلفه ، فلا يؤثر على المصلين المؤتمين مرور أحد أمامهم في الجماعة ، حتى لو كان مما تبطل الصلاة بمروره .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
هل المرور بين صفوف المصلين يقطع الصلاة أو ينقص من أجر المصلي ؟ .
فأجاب :
لا يضر ، إذا مر بين يدي الصفوف ؛ لأن سترة الإمام سترة لهم ، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن عباس رضي الله عنهما حين مرَّ بين يدي بعض الصف ، وهم يصلون في مِنى .
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" ( 13 / جواب السؤال رقم 421 ) .
وإذا كان مرور المتأخر سيؤدي إلى التشويش على المصلين وإشغالهم وتحريكهم ، فالذي يظهر لنا أنه لا بأس بجعل طريق خاص ضيق بجانب الصفوف يمتد إلى آخر المسجد ، يمر فيه من يأتي متأخراً حتى يقف في الصف الأخير ، فهو أفضل من ترك فرجة في الصف نفسه ، فيُجمع بذلك بين تسوية الصفوف ، وإتمامها ، وحتى لا يحدث المتأخر تشويشاً على المصلين وإشغالاً لهم إذا حاول المرور من بينهم .
والله أعلم
تعليق