الحمد لله.
ثانياً:
وأما تزوج الزوج من أخرى بعد أن أغناه الله وصار قادراً على العدل بين زوجتيه ، فلا
حرج فيه ، وليس هذا من الظلم في شيء ؛ إلا أن يسيء عشرة زوجه الأولى ، أو يتنكر
لفضلها وصبرها معه .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
ومع هذا فإنما يباح له ذلك إذا أمِن على نفسه الجور والظلم ، ووثق بالقيام بحقوقهن
، فإن خاف شيئاً من هذا : فليقتصر على واحدة ، أو على ملك يمينه ؛ فإنه لا يجب عليه
القسْم في ملك اليمين .
( ذَلِك ) أي : الاقتصار على واحدة أو ما ملكت اليمين .
( أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ) أي : تظلموا .
وفي هذا أن تعرُّض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم ، وعدم القيام بالواجب -
ولو كان مباحاً - : أنه لا ينبغي له أن يتعرض له ، بل يلزم السعة والعافية ؛ فإن
العافية خير ما أعطي العبد .
" تفسير السعدي " ( ص 163 ) .
وأما ما يحصل بين الضرات من
خصومات ، فهذا يحصل مثله ، أو أشد منه ، بين أفراد الأسرة الواحدة ، فلا يكون مثل
ذلك مانعا للعقلاء من تحقيق المصالح المرجوة بزواجه الثاني ، إذا رغب فيه ، أو
احتاج إليه .
وأما ما تظنه الزوجة الأولى أن زوجها ظلمها بمشاركة الزوجة الثانية لقلبه أو لماله
؛ فإن أمر الرزق مكفول من الله تعالى ، فهو خالقه ، ومقسمه بين عباده :
وما يدري الفقيرُ متى غِناه ... وما يدري الغَنيُّ متى يَعيلُ
وأما المشاركة في مودة القلب ؛ فمن ذا الذي يدعي أن القلب لن يسع زوجتين وأكثر ،
سوى خيالات الشعراء ، وكلام العشاق ، ومن تأثر بهم ؟!
أوليس الوالد يتسع قلبه لمودة ولدين ، وأكثر ، إلى ما شاء الله ؟! فما الذي يضيق
قلبه بزوجتين أو أكثر مما أحل الله ؟!
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
وما يزعمه بعض الملاحدة من أعداء دين الإسلام من أن تعدد الزوجات يلزمه الخصام
والشغب الدائم المفضي إلى نكد الحياة لأنه كلما أرضى إحدى الضرتين سَخطت الأخرى فهو
بين سخطتين دائماً ، وأن هذا ليس من الحكمة : فهو كلام ساقط ، يظهر سقوطه لكل عاقل
؛ لأن الخصام والمشاغبة بين أفراد أهل البيت لا انفكاك عنه ألبتة ، فيقع بين الرجل
وأمه ، وبينه وبين أبيه ، وبينه وبين أولاده ، وبينه وبين زوجته الواحدة ، فهو أمر
عادي ليس له كبير شأن ، وهو في جنب المصالح العظيمة التي ذكرنا في تعدد الزوجات من
صيانة النساء ، وتيسير التزويج لجميعهن ، وكثرة عدد الأمة لتقوم بعددها الكثير في
وجه أعداء الإسلام : كلا شيء ؛ لأن المصلحة العظمى يقدَّم جلبها على دفع المفسدة
الصغرى .
فلو فرضنا أن المشاغَبة المزعومة في تعدد الزوجات مفسدة ، أو أن إيلام قلب الزوجة
الأولى بالضرة مفسدة : لقُدمت عليها تلك المصالح الراجحة التي ذكرنا ... .
فالقرآن أباح تعدد الزوجات لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج ، ولمصلحة الرجل
بعدم تعطّل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة ، ولمصلحة الأمَّة ليكثر
عددها فيمكنها مقاومة عدوها لتكون كلمة الله هي العليا ، فهو تشريع حكيم خبير ، لا
يطعن فيه إلا من أعمى الله بصيرته بظلمات الكفر .
" أضواء البيان " ( 3 / 23 ، 24 ) .
ثالثاً:
لتعلم الزوجة الفاضلة أن كثرة المال مظنة الفتنة ، وأن تفكير الزوج في تصريف شهوته
بنكاح شرعي مما ينبغي أن يُشجع عليه خشية وقوعه في الفتنة التي يقع فيها كثير من
أهل الأموال ، فوجود بيوت متعددة لهذا الرجل الغني ووجود أولاد له من كل واحدة من
شأنه أن يضبط شهوته وتصرفاته فلا يجد من الوقت ما يجده أصحاب الأموال من أهل الدنيا
ليصرفه في غير حلال ومباح ، فنرى أن تفكير الزوج الذي أنعم الله تعالى بالمال
بالتزوج من ثانية وثالثة هو في صالح دينه فلا ينبغي التثريب عليه ولا صده عما ينويه
من قضاء وطره مع امرأة يتزوجها على الكتاب والسنَّة .
سئل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - :
الرجل عندما يكثر ماله فأول ما يفكر فيه هو الزواج على زوجته ليس لغاية بناء أسرة
ولكن للمتعة ؟
فقال الشيخ رحمه الله في جملة جوابه :
مباح ، وليس عليه أي شيء ، لكن نحن نأمره بأن يضم إلى هذا المباح : مستحب ، وهو أن
يكثِّر سواد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويكثِّر الأجر عند ربِّه بتربيته لنفسه
وذريته .
" أشرطة سلسلة الهدى والنور " ( شريط رقم 521 ) .
والخلاصة :
ليس في تزوج الزوج من ثانية بعد أن أغناه الله تعالى ظلم للزوجة الأولى ، بشرط أن
يقوم بالعدل الذي أوجبه الله تعالى عليه ، وهو : أن يعدل في النفقة ، وفي المبيت ،
وفي السكن ، وفي الكسوة .
ولينظر – في تفصيل ذلك - أجوبة الأسئلة : (
10091 ) و (
13740 ) و (
20455 ) .
والله أعلم