الحمد لله.
أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج من النساء بأربع ، لما في ذلك من المصالح العظيمة التي ليس هذا مقام بسطها والإسهاب فيها ، ولكنه مع هذا لم يترك المسألة هكذا تعود لرغبة الرجال وأهوائهم ، بل ضبط المسألة بشروط وضوابط كي يتحقق من ذلك المقصود الأسمى من التعدد في النكاح .
وهذه المشكلة التي تعانين منها إنما تعود إلى الإخلال ببعض هذه الحقوق والضوابط ،وهو الإخلال بحق القسم ، إذ يجب على الرجل أن يعدل بين زوجاته في القسم في يومه وليلته ، فيقسم أيامه بينهن بالسوية ، ولا يجوزله بعد ذلك أن يخص واحدة منهن بزيادة من أجل مبيت أو إقامة ، إلا إن كان ذلك بطيب نفس من الأخرى ، فيحق لها إسقاطه ، أما بغير ذلك فلا يجوز مطلقاً ، قال تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف ) النساء / 19 ، وليس من المعاشرة بالمعروف أن يخص واحدة من نسائه بهذا ، وإليك بعض النصوص من كلام العلماء التي تبين ذلك :
قال الشافعي رحمه الله : ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما عليه عوام علماء المسلمين أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي ، وأن عليه أن يعدل في ذلك ... "الأم" (5/158) . وقال : ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن .أ.هـ."الأم" (5/280).
وقال البغوي رحمه الله : إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة يجب عليه التسوية بينهن في القسم إن كُنَّ حرائر ، سواء كن مسلمات أو كتابيات .. فإن ترك التسوية في فعل القَسْم : عصى الله سبحانه وتعالى ، وعليه القضاء للمظلومة ، وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " (رواه : أبو داود (2/242) والترمذي (3/447) والنسائي (7/64) وابن ماجه (1/633) وصححه الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (3/310) والألباني "إرواء الغليل " (7/80) ) –
وأراد بهذا الميل : الميل بالفعل ، ولا يؤاخذ بميل القلب إذا سوى بينهن في فعل القسم ، قال الله سبحانه وتعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل ) معناه : لن تستطيعوا أن تعدلوا بما في القلوب ، فلا تميلوا كل الميل ، أي : لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم .. .أ.هـ. " شرح السنة (9/150-151).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من كانت له امرأتان.." فعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثا : بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم .أ.هـ " مجموع الفتاوى (32/269).
وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا وقد قال الله تعالى وعاشروهن بالمعروف ، وليس مع الميل معروف .أ.هـ. " المغني (8/138).
وعلى هذا فما يفعله زوجك من عدم العدل في القسم هو معصية عظيمة عند الله ، فالله تعالى لا يحب الظلم ، ولا يحب الظالمين ، وأما كونه يظن أنه يجوز له في اليوم الذي خصصه لك أن يذهب إلى زوجته الأخرى فهذا ظن خاطئ كذلك .
قال الشيخ منصور البهوتي " ويحرم أن يدخل إلى غير ذات ليلة إلا لضرورة ، وفي نهارها إلا لحاجة " الروض المربع شرح زاد المستقنع6/449
وأما كونه يعتذر عن كل ما يفعل بأنك لا تتفقين مع زوجته الأولى ، فهذا خطأ آخر ، وليس من الحل لهذه القضية أن يقع في ظلم الآخرين ، بل عليه أن يلتزم أوامر الشرع في حله لهذه القضية ، لا أن يتصرف بما يراه هو مناسباً ، ثم ما ذا استفاد من فعله هذا ؟ هل حل به المشكلة أم زادها تعقيداً ؟!!
وأما بالنسبة لطلبك الطلاق منه ، فلعل صبرك عليه أفضل مع بذلك الجهد في إصلاحه ، فأنت تعلمين أن الطلاق حل متأخر جداً ، لما يترتب عليه من مفاسد عديدة ، فعليك أن تكثري من نصحه وتذكيره بالله تعالى ، وبأن هذه الدنيا فانية وغداً سوف يلقى الله تعالى ، فكيف سيجيبه عن هذا الظلم الواضح ؟
كما يمكنك أن تخوفيه بأنه إذا استمر على هذه الحال فإنك ربما تطلبين الطلاق ، عسى أن يفهم من هذا أنه لا يمكنك أن تتحملي مثل هذه التصرفات التي لا يُجيزها الشرع ولا العقل ، وبإمكانك أيضاً الاستعانة بالعقلاء من أهلك لكي يكلموه في ذلك .
وعليك مع الصبر عليه أن تشتغلي بالدعاء الصادق أن يهديه الله ، ويتوب عليه من هذا .
وأما قولك : ( لا يبدو أنه سيتغير ) فهذا ظن منك ، وكم من ظالم وفاسق بل وكافر قد هداهم الله وأصلحهم ، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .
نسأل الله تعالى أن يهدي زوجك ويوفقكما لما فيه الخير .
تعليق