الحمد لله.
والذي أردنا بيانه لكِ –
أختنا السائلة – أنه يوجد شفاعة من المؤمنين بعضهم لبعض ، سواء في عدم دخول النار ،
أو بالخروج منها ، أو برفع الدرجات ، لكنَّ الشفاعة تلك لا تكون إلا بإذن الله
تعالى ، فلا يشفع أحدٌ عند الله تعالى حتى يُؤذن له ، ومن أين لنا الجزم بأن فلاناً
سيأذن له ربُّه تعالى في أن يشفع لنا ؟! ومن أين لنا أن الله تعالى سيقبل شفاعته
سواء مطلقاً أو في فلان ؟! .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " ولهذا كان سيد الشفعاء صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جاء الخلائق يوم القيامة يطلبون الشفاعة من آدم فيعتذر ، ثم
يطلبونها من نوح ومن إبراهيم ثم موسى ثم من عيسى فيقول : اذهبوا إلى محمد فإنه عبد
غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال : ( فأذهب إلى ربي فإذا رأيت ربي خررتُ
ساجداً فأحمد ربي بمحامدَ يفتحها عليَّ لا أُحسِنُها الآن فيقول : أي محمد ، ارفعْ
رأسَك ، قُلْ تُسمعْ ، وسَلْ تُعطَه ، فأشفع ) – متفق عليه - .
فبيَّن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه إذا أتى ربَّه لا يشفع حتى يُؤذن له
، بل يبدأ بالسجود لله والثناء عليه ، فيأذن له ربه في الشفاعة" انتهى من" جامع
المسائل " ( 4 / 290 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً - : " فهذا خير الخلق وأكرمهم على الله إذا رأى ربه لا
يشفع حتى يسجد له ويحمده ، ثم يأذن له في الشفاعة ؛ فيحد له حدّاً يدخلهم الجنة ،
وهذا تصديق قوله تعالى ( مَنْ ذَا الذِّي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ )
إلى غير ذلك من الآيات ، وقد جاء في الحديث الصحيح أنه ( تشفع الملائكة والنبيون
والمؤمنون ) ، لكن بإذنه في أمور محدودة ليس الأمر إلى اختيار الشافع ، فهذا فيمن
علم أنه يشفع ... والرجل الصالح قد يشفعه الله فيمن يشاء ، ولا شفاعة إلا في أهل
الإيمان " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 2 / 106 ) .
والمؤمن عليه أن يعمل بطاعة ربِّه تعالى ويترك مخالفته ، ولا ينبغي له تعليق أمره على شفاعة أحد ، وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم ( 140545 ) أنه لا يجوز ترك العمل الصالح بحجة شفاعة المؤمنين لنا يوم القيامة ، فلينظر .
وأنتِ ترين أن المؤمن الصادق
في إخوته يشفع لإخوانه يوم القيامة إن أذن الله تعالى له بذلك حتى لو لم يحصل اتفاق
معهم في الدنيا على ذلك . بل لا نعلم أصلا من حال السلف لهذا الاتفاق والمواعدة ،
وما فيه من التحديد : لا يخلو من تكلف ظاهر ، فأقل ما يقال فيه : إن الأولى ترك
تكلف ذلك ، والانشغال به ، والتعلق به ، وليكن همكنَّ منصبّاً على تحقيق التوحيد في
حياتكنَّ ، والقيام بالطاعات ، والحرص على رضا الله تعالى ، فهذا خير ما ينشغل به
المؤمن في دنياه .
ثالثاً:
أما بخصوص الأثر المروي عن أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه " لو أن إحدى قدمي في
الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله " : فمع أنه أثر مشهور متداول، إلا أننا لم
نقف عليه مسنداً لا بسندٍ صحيح ولا ضعيف ، فالله أعلم بحاله .
وقد وجدنا عن الإمام أحمد رحمه الله ما يخالف ذلك المعنى ، فقد روى ابن أبي يعلى في
كتابه " طبقات الحنابلة " ( 1 / 291 ) عن محمد بن حسنويه قال : " حضرت أبا عبد الله
أحمد بن حنبل وجاءه رجل من أهل خراسان فقال : يا أبا عبد الله قصدتك من خراسان
أسألك عن مسألة قال له : سل ، قال : متى يجد العبد طعم الراحة ؟ قال : عند أول قدم
يضعها في الجنة " انتهى .
ولعل ما ذكر في هذا الأثر هو الأقرب ، واللائق بكرم الله ، وحسن الظن به .
والله أعلم