الحمد لله.
ثانيا :
الواجب تقديم الوالدين في البر وحسن الصحبة على من عداهما ؛ لما روى البخاري (5514)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ
أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ
ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ
ثُمَّ أَبُوكَ ) .
راجع إجابة السؤال رقم (105748)
.
فتقديم بر الوالدة وإكرامها
وحسن صحابتها من الإيمان ، ولا يجوز التنغيص عليها بحال ، ولا معاملتها بنوع جفوة
أو بُعد أو إشعارها أنك تقدم محبة زوجتك على محبتها وقربها على قربها ، بل محبتها
هي المقدمة وقربها هو الأولى .
ولكن ذلك لا يعني المصادمة مع الزوجة إلى الحد الذي تفكر فيه بالطلاق والانفصال
عنها !
وحيث إن زوجتك – على ما وصفت – ذات خلق ودين ، فينبغي عليك الحرص عليها والاهتمام
بها ، وقد فعلت – بحمد الله - .
ومن تمام ذلك أن تعالج هذه المشكلة بالحكمة والصبر ، فتبين للزوجة أن والدتك لها حق
عليك عظيم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن رضاها من رضا الله تعالى
.
فلا يجوز هجرها أو البعد عنها أو مجافاتها ، والزيارات الخاطفة قد تفسد أكثر مما
تصلح ، وقد تحزن أكثر مما تفرح ، وما المعنى عند الوالدة إذا ترك ولدها بيتها وسكن
مع زوجته في بيت آخر بعيد إرضاء للزوجة ، ثم لا يأتيها إلا قليلا ، وإذا أتاها ذهب
سريعا ؟!
لا شك أن مثل هذا ينغص على الوالدة فلا يجوز .
فتبين للزوجة أن مثل هذا لا يصلح شرعا ، وقد يكون من العقوق الذي هو من أكبر
الكبائر ؛ فيعود ذلك عليك وعليها أيضا بما لا تحمد عواقبه .
فذكرها بالله وطيب قلبها وألن لها في النصح ، فإن أبت فلتذهب أنت وحدك إلى والدتك
لزيارتها وصلتها وإتحافها بالهدايا ، على الوجه الذي يرضيها ، ولا حاجة بك حينئذ
لأخذ زوجتك معك ، فإن الذي يهم الوالدة إنما هو أنت ، وحيث بررتها ووصلتها فقد أديت
ما عليك .
وبإمكانك أن تجعل ذلك خفية عن زوجتك ، أو تجعل مرة من أمامها ، ومرة أخرى من خلفها
، إذا كنت تأمن أنها لن تطلع على ذلك ، فتسوء حالها .
وبإمكانك أن تصطحب والدتك إلى بيتك في بعض الأوقات ، لتقضي معها وقتا أطول ، بعيدا
عن أسباب الغيرة ومنغصاتها .
إن الظروف التي حكيتها لنا تجعلنا نؤكد عليك إن الحل لمشكلتك يكمن في الحكمة وحسن
المعالجة ، وحسن التأتي للأمور ؛ فبر أمك ، وصلها ، وأحسن إليها ؛ لكن لا تفكر في
طلاق زوجتك ، بل اجتهد في حسن سياسة أمرك ، لتجمع بين الأمرين .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
يحصل بيني وبين زوجي خصام في أكثر الأحيان وذلك بسبب غيرتي عليه فأنا أغار عليه
وأراقب نظراته ، وإذا لمحت منه أي نظرة أو اشتبهت فيها غرت عليه ، وهو يحتج عليَّ
دائماً بأن الغيرة المحبوبة إلى الله هي الغيرة في محارم الله ، وأما الغيرة التي
تقع مني فهي تسبب الطلاق ، ولم أقتنع بكلامه لأنني أعتقد أن من حقي أن أغار عليه
حتى ولو لم يقصد ، علماً أنه ملتزم ولا أشك فيه ، وجهني بما تراه وفقك الله .
فأجاب :
" أوجه هذه السائلة أن تخفف من غيرتها ، وإلا فإن من طبيعة المرأة أن تغار على
زوجها ، وهذا دليل على محبتها له ، ولكني أقول : الغيرة إذا زادت صارت غبرة وليست
غيرة ، ثم تتعب المرأة تعباً شديداً ، لذلك أشير على هذه المرأة أن تخفف من غيرتها
، وأشير على الرجل أيضاً أن يحمد الله على أن هيأ له امرأة صالحة تحبه ، لأن هذا –
أعني : التحاب بين الزوجين - مما يجعل الحياة بينهما سعيدة ، وإلا فإن الغيرة أمر
فطري لا بد منه .
وأرى أن من نعمة الله على الزوج أن تكون المرأة تحبه إلى هذا الحد ، ولكني أقول
للمرأة : خففي من الغيرة لئلا تشقي على نفسك وتتعبي ، وأقول للرجل : احمد ربك على
هذه النعمة ،
ولا يزيدك ذلك إلا رغبة في أهلك ومحبة لهم ، أما مسألة الطلاق فلا تذكره أبداً عند
المرأة ، الرجل إذا ذكر الطلاق عند المرأة صار هذا الشبح أمام عينها نائمة ويقظانة
، وهذا غلط ، ولهذا من السفه أن بعض الناس يذكر كلمة الطلاق لامرأته ، حتى ولو
للتهديد ، يا أخي : هددها بغير هذا ، تهددها بالطلاق فيبقى الشيطان دائماً يعمل في
قلبها حتى تؤدي النهاية إلى الفراق والعياذ بالله " انتهى من "اللقاء الشهري" (2
/236-237) .
نسأل الله أن ييسر لك أمرك ، ويلهمك رشدك ، ويعينك على بر أمك ، ويصلح لك زوجتك .
والله أعلم .