الحمد لله.
أولا :
روى البخاري في صحيحه (3417) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ( خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ
عَلَيْهِ السَّلاَمُ القُرْآنُ ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فَتُسْرَجُ ،
فَيَقْرَأُ القُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ دَوَابُّهُ ، وَلاَ يَأْكُلُ إِلَّا
مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ) .
وفي رواية له (4713) : ( خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ القِرَاءَةُ ، فَكَانَ يَأْمُرُ
بِدَابَّتِهِ لِتُسْرَج َ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ - يَعْنِي -
القُرْآنَ ) .
قال ابن بطال رحمه الله : " المراد بالقرآن في هذا الحديث : الزبور " .
انتهى من "شرح صحيح البخاري" (10/ 273) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" كَانَ يَقْرَأُ الزَّبُورَ بِمِقْدَارِ مَا تُسْرَجُ الدَّوَابُّ ، وَهَذَا
أَمْرٌ سَرِيعٌ مَعَ التَّدَبُّرِ ، وَالتَّرَنُّمِ ، وَالتَّغَنِّي بِهِ عَلَى
وَجْهِ التَّخَشُّعِ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ " .
انتهى من "البداية والنهاية" (2/ 307) .
وهذا من المعجزات التي حباه الله بها -عليه السلام- ، فلا ينكر أن يقرأ الزبور كله
في هذه المدة الوجيزة ، في تدبر وخشوع وحسن تلاوة ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَرَكَةَ قَدْ تَقَعُ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ ، حَتَّى
يَقَعَ فِيهِ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ، قَالَ النَّوَوِيُّ : أَكْثَرُ مَا بَلَغَنَا
مِنْ ذَلِكَ مَنْ كَانَ يَقْرَأُ أَرْبَعَ خَتَمَاتٍ بِاللَّيْلِ ، وَأَرْبَعًا
بِالنَّهَارِ " انتهى من "فتح الباري" (6/ 455) .
وقال العيني رحمه الله :
" فِيه: الدّلَالَة على أَن الله تَعَالَى يطوي الزَّمَان لمن يَشَاء من عباده ،
كَمَا يطوي الْمَكَان" انتهى من "عمدة القاري" (16/ 7) .
ثانيا :
لا يلزم من ثبوت فضيلة خاصة لنبي الله داود ، أو غيره من الأنبياء عليهم السلام ،
أن يثبت مثلها ، أو نظيرها لنبينا صلى الله عليه وسلم ، وإن كان هو أفضل الرسل
قاطبة ، وسيد ولد آدم أجمعين ، وذلك فضل الله يختص به من يشاء من عباده .
ونبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء وأكرمهم على الله ، ومع ذلك فقد حصل لبعض
الأنبياء من المعجزات والكرامات ما لم يحصل مثله لنبينا صلى الله عليه وسلم ،
كإحياء الموتى الذي كان لعيسى عليه السلام ، وكتسخير الجن والإنس والطير ، لسليمان
عليه السلام .
وينظر جواب السؤال رقم : (235861) .
ثالثا :
دعوى أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن كله أثناء ركوبه دابته :
دعوى غير صحيحة ، بل باطلة ، ولا يوجد ما يدل عليها من خبر صحيح ، ولا ضعيف ، ولا
علمنا أحدا من أهل العلم قال بمثل هذا الكلام .
وأما تقدير ذلك المقام بـ"ثانية" فهذا من أظهر الباطل ؛ فلا عقل ،
ولا نقل !!
والله تعالى أعلم .