الحمد لله.
أولا :
ذكر الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة حيوة بن شريح رحمه الله من "سير أعلام النبلاء" (6/405) ، وكذا في "تاريخ الإسلام" (9/ 387) عن عبد الله بن وهب قال : " كَانَ حَيْوَةُ يَأْخُذُ عَطَاءً فِي السَّنَةِ سِتِّينَ دِينَارًا، فَلَمْ يَطلعْ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِهَا، ثُمَّ يَجِيءَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَجِدُهَا تَحْتَ فِرَاشِهِ ، وَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَمٍّ لَهُ فَأَخَذَ عَطَاءَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ ، وَجَاءَ إِلَى تَحْتِ فِرَاشِهِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، قَالَ: فَشَكَا إِلَى حَيْوَةَ فَقَالَ: أَنَا أَعْطَيْتُ رَبِّي بِيَقِينٍ ، وَأَنْتَ أَعْطَيْتَهُ تَجْرِبَةً " .
وانظر : "وفيات الأعيان" (3/37) .
ولم نطلع على سندها إلى ابن وهب ، وابن وهب ثقة حافظ عالم .
ثانيا :
هذا - إن صح - ونحوه ، من باب الكرامات لا المعجزات ، فإن المعجزة تخص النبي ، بخلاف الكرامة ، فتكون للنبي والولي الصالح .
راجع الفتوى رقم : (124838) لمعرفة أوجه الفرق بين المعجزة والكرامة .
ثالثا :
لا يلزم من حصول كرامة للأدنى حصول مثلها للأعلى والأفضل ، وقد يخص الله بعض أوليائه بكرامة ، لفضله وسبقه إلى باب من أبواب الطاعات ؛ تثبيتا منه سبحانه وتفضلا عليه ، وإظهارا لنعمته التي تستوجب الشكر ، من دون أن يلزم حصول مثلها لغيره ، وإن كان أفضل منه .
وأبو بكر رضي الله عنه أفضل من عمر رضي الله عنه ، وقد حصل لعمر من الكرامات ما لم يحصل مثله لأبي بكر ، مع تقدمه عليه في الفضل .
ثم إن الكرامة قد تحصل للأدنى ، ويستغني عنها الأعلى لعلو منزلته وكمال تصديقه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْكَرَامَاتِ قَدْ تَكُونُ بِحَسَبِ حَاجَةِ الرَّجُلِ ، فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهَا الضَّعِيفُ الْإِيمَانِ ، أَوْ الْمُحْتَاجُ : أَتَاهُ مِنْهَا مَا يُقَوِّي إيمَانَهُ وَيَسُدُّ حَاجَتَهُ ، وَيَكُونُ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ وِلَايَةً لِلَّهِ مِنْهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ ، فَلَا يَأْتِيه مِثْلُ ذَلِكَ لِعُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْهَا لَا لِنَقْصِ وِلَايَتِهِ ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي التَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الصَّحَابَةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 283) .
وغاية الكرامة لزوم الاستقامة ، ولذلك فإن الله تعالى مدح أولياءه باستقامتهم على صراطه المستقيم ، بطاعتهم ، وعبادتهم ، وجهادهم ، وعلق على ذلك فلاحهم في الدنيا والآخرة ، لا على ما يحصل لهم من الكرامات وخوارق العادات ، وإن كثيرا من هذه الخوارق ما يشتبه على الناس ، حيث يكون منها ما هو من الكرامات الربانية ، ومنها ما يكون من الأحوال الشيطانية .
قال شيخ الإسلام :
" غَايَةُ الْكَرَامَةِ لُزُومُ الِاسْتِقَامَةِ ، فَلَمْ يُكْرِمْ اللَّهُ عَبْدًا بِمِثْلِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيَزِيدُهُ مِمَّا يُقَرِّبُهُ إلَيْهِ وَيَرْفَعُ بِهِ دَرَجَتَهُ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 298)
وينظر للأهمية : كتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
رابعا :
قول السائل : إن الخلفاء الراشدين لم تحصل لهم كرامات : قول غير صحيح ، فقد حصلت لهم كرامات معلومة مشهورة ، ذكرها العلماء في تراجمهم .
انظر : " سير أعلام النبلاء " للذهبي .
وانظر السؤال رقم :
(220765) لمعرفة بعض الكرامات التي وقعت للصحابة رضي الله عنهم .
والله أعلم .
تعليق