الحمد لله.
أولا:
الزنا جريمة عظيمة، وفاحشة منكرة، ولهذا جاء فيها من الوعيد الشديد ما لم يات في غيرها، لكن من تاب تاب الله عليه، وبدل سيئاته حسنات، كما قال تعالى: ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70.
فنحمد الله تعالى أن وفقهما للتوبة، ونسأله أن يتقبل منهما.
ثانيا:
لا يجوز للزاني أن ينكح الزانية إلا بعد التوبة ؛ لقوله تعالى : ( الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/ 3
فإذا عقدا النكاح قبل التوبة ، فهذا مما اختلف فيه الفقهاء :
فالجمهور على صحة نكاح الزاني والزانية ، ولو لم يتوبا .
وذهب الحنابلة إلى أنه لا يصح نكاح الزانية حتى تتوب ، ولم يشترطوا توبة الزاني لصحة النكاح .
وتقدم في جواب السؤال رقم (85335) أن الراجح أنه لابد من التوبة، وأنه لا يصح النكاح قبل التوبة.
والأحوط لكما أن تجددا العقد ، ما دام ذلك ممكنا ، بحضور ولي المرأة أو وكيله، وشاهدين مسلمين، ولا يلزم أن يكون ذلك في وجود مأذون، بل يكفي أن يقول الولي: زوجتك ابنتي فلانة، ويقول الرجل: قبلت الزواج من ابنتك فلانة.
هذا إن كان للمرأة ولي من المسلمين .
فإن كان أقاربها ، أبوها ، وأخوها ، وأعمامها ، وأولادهم .. : كفارا ، كان وليها في العقد مدير المركز الإسلامي القريب منكم ، أو إمام المسجد ، أو رجل عدل من المسلمين .
ولا يخبران عن أمر الزنا؛ لأن الواجب الاستتار بستر الله، ولهما أن يقولا: إن سبب تجديد العقد عدم وجود الولي، والجمهور على أنه لا يصح النكاح بلا ولي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ثالثا:
الاستبراء قد حصل؛ لأن الزوجة أجرت فحوصات قبل العقد وتبين أنها حائض، كما ذكرت. والشك هل حصل جماع بعد ذلك قبل العقد أم لا، غير مؤثر؛ لأن الأصل عدم الجماع.
رابعا:
الولد الذي نتج عن هذا النكاح، ينسب إلى الأب؛ لأن كل مولود نتج عن نكاح يعتقد الزوجان صحته، فإنه ينسب إلى الزوج حتى لو كان النكاح فاسدا ، أو باطلا في نفس الأمر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ ، إذا وطيء فيه : فإنه يلحقه فيه ولده ، ويتوارثان ، باتفاق المسلمين ، وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين ...
وكذلك المسلم الجاهل لو تزوج امرأة في عدتها ، كما يفعل جهال الأعراب ، ووطئها يعتقدها زوجة : كان ولده منها يلحقه نسبه ، ويرثه ، باتفاق المسلمين . ومثل هذا كثير؛ فإن ثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر، بل الولد للفراش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر )...
ومن نكح امرأة نكاحا فاسدا متفقا على فساده ، أو مختلفا في فساده ... فإن ولده منها يلحقه نسبه ، ويتوارثان ، باتفاق المسلمين " انتهى من "مجموع الفتاوى" (34/13).
خامسا:
لا يشترط ذكر المهر في عقد النكاح، فلو تزوجها بلا ذكر للمهر صح النكاح، وكان للزوجة مهر المثل.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/182) : " النكاح يصح من غير تسمية صداق ، في قول عامة أهل العلم . وقد دل على هذا قول الله تعالى : (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) البقرة/236 ، وروي أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة ، ولم يفرض لها صداقا ، ولم يدخل بها حتى مات ، فقال ابن مسعود : لها صداق نسائها ، لا وكس ولا شطط ، وعليها العدة ، ولها الميراث . فقام معقل بن سنان الأشجعي ، فقال : (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق ، امرأة منا مثل ما قضيت) أخرجه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح " انتهى .
سادسا:
قول الرجل لامرأته: سوف أطلقك، أو سأطلقك، لا يقع به طلاق، لأنه وعيد في المستقبل، فإذا لم ينفذ وعيده ويطلق بالفعل، فإن الطلاق لا يقع.
سابعا:
ينبغي الحذر من الوسوسة، فإنها داء كبير وشر مستطير، وعلاجها بالاستعاذة بالله تعالى، والإعراض عنها وعدم الالتفات إليها.
وينظر: جواب السؤال رقم (100268) ورقم (62839).
والحاصل:
أن الذي عليكما الآن أن تجددا عقد النكاح ، احتياطا لأمر نكاحكما ، وتصحيحا له فيما يستقبل من أمركما ؛ وأما الولد فنسبته صحيحة إلى الزوج ، لا إشكال فيها .
ونصيحتنا للزوجين أن يستكثرا من الأعمال الصالحة، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82 ، ويدعا وساوس الشيطان ، وتثقيله لأمر التوبة والعودة إلى رب العالمين ، وتقنيطكما ، لأجل ما فات ، فإنه لا يوقعكما في شيء أحب إليه من اليأس من رحمة الله .
والله أعلم.