ما حكم قول الفضل لله وللرسول في كل شي ؟
الحمد لله.
الذي يقول ذلك ، يحتمل أنه يقصد أحد أمرين :
الأول:
أن يكون قصده، أن الفضل لله وللرسول فيما يتعلق بمعرفة الحق من الباطل ، وإقامة الأدلة والبراهين على ذلك .
فهذا من حيث المعنى صحيح ، أن للنبي صلى الله عليه وسلم فضلًا على الأمة ، لاجتهاده صلى الله عليه وسلم وصبره على تبليغ كل أمر فيه نفعنا، وتحذيرنا من كل ما فيه هلاكنا، كما له فضل علينا برحمته بنا ، فما خيّر في أمر إلا اختار الأنفع والأيسر للأمة المسلمة.
قال الله تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ التوبة/128.
ولكن المشروع ، من حيث اللفظ ، ألا يجمع في ذلك بين الله تعالى ، ورسوله صلى الله عليه وسلم بحرف العطف (الواو) الذي قد يفهم منه التسوية بين المعطوف والمعطوف عليه .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا اللفظ ، وذلك حماية للتوحيد ، وحتى لا يقع المسلم فيما نهى الله عنه وهو لا يشعر .
قال الله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة/22.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ.
قَالَ: جَعَلْتَ لِلَّهِ ندا، ما شاء الله وحده رواه البخاري في "الأدب المفرد" (783)، والإمام أحمد في "المسند" (3 / 339)، وابن ماجه (2117)، وحسّن إسناده الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/266).
بل يكون العطف بما يفيد الترتيب وعدم التسوية، كالعطف بلفظة "ثم".
عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ، وَشَاءَ فُلَانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ رواه أبو داود (4980).
وعَنْ قُتَيْلَةَ بِنْتِ صَيْفِيٍّ الْجُهَنِيَّةِ، قَالَتْ: " أَتَى حَبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:...
يَا مُحَمَّدُ، نِعْمَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ، لَوْلَا أَنَّكُمْ تَجْعَلُونَ لِلَّهِ نِدًّا، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ: تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ.
قَالَ: فَأَمْهَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ قَالَ، فَمَنْ قَالَ: مَا شَاءَ اللهُ، فَلْيَفْصِلْ بَيْنَهُمَا: ثُمَّ شِئْتَ .
رواه الإمام أحمد في "المسند" (45/ 43)، والحاكم في "المستدرك" (4 / 297)، وصححه، ووافقه الذهبي، وصحح إسناده محققو المسند.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" ولا يجوز التسوية بين الله وغيره يقول: "الحمد لله وسيدى داود"؛ لأن هذا من أنواع الشرك، بل يقول: الحمد لله وحده، أو يقول: الحمد لله ثم لسيدي داود.
قال تعالى: ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )، ولما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، قال: ( أجعلتني لله ندا؟! بل ما شاء الله وحده ) رواه النسائي.
فهذا الحديث يبين أنه شرك؛ لأن المعطوف بالواو يسوي المعطوف بالمعطوف عليه؛ لأن الواو وضعت لمطلق الجمع، فلا يجوز أن نجعل المخلوق مثل الخالق في شيء من الإلهية والربوبية ولو في أقل شيء، فهذا أحمى لجناب التوحيد وسد طرق الشرك في الأقوال، كما جاء سد طرق الشرك في الأعمال، كقوله صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )، ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور والبناء عليها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان )، فهذا يدل على الجواز لهذه الصيغة، والأول يدل على الكمال وهو قول: ما شاء الله وحده.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى من" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 534).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" وفي هذه الأحاديث أن قول الرجل لغيره: " ما شاء الله وشئت ": يعدّ شركا في الشريعة، وهو من شرك الألفاظ، لأنه يوهم أن مشيئة العبد في درجة مشيئة الرب سبحانه وتعالى، وسببه القرن بين المشيئتين، ومثل ذلك قول بعض العامة وأشباههم ممن يدعي العلم: "ما لي غير الله وأنت"، و" توكلنا على الله وعليك"... " انتهى من "السلسلة الصحيحة" (1 / 266).
الاحتمال الثاني:
أن يكون قصده؛ أن الفضل لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم، في كل شي من أمور الدين والدنيا، وبما يشمل التوفيق إلى العمل بالحق ، فهذه تسوية لا تصح؛ لأن المتفضل بالإنعام والرزق والتوفيق والصحة وجميع النعم هو الله وحده.
قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ آل عمران/74 - 73.
وقال الله تعالى: وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الحديد/29.
وقال الله تعالى مخاطبا النبيّ صلى الله عليه وسلم:
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأعراف/188.
وفي قوله سبحانه وتعالى: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا الجن/21 – 22.
والرسول صلى الله عليه وسلم يبين الحق ، لكن التوفيق باتباعه هو فضل محض من الله تعالى ، ولا يملكه الرسول صلى الله عليه وسلم .
قال الله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ القصص/56.
وقال الله تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ النور/21.
وقال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إبراهيم /4.
فمن تلفظ بهذه العبارة قاصدا أن للنبي صلى الله عليه وسلم قدرة على التصرف في الكون بالإنعام : فهذا شرك أكبر.
وأما إن كان يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصف بشيء من صفات الربوبية، لكن تجري هذه العبارة على اللسان تساهلا، فهذا شرك أصغر لا يخرج صاحبه بسببه من الإسلام، لكنه ذنب تجب التوبة منه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" يستفاد من الحديث - حديث ابن عباس السابق الذكر -: أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ يقتضي مساواته للخالق شرك، فإن كان يعتقد المساواة; فهو شرك أكبر، وإن كان يعتقد أنه دون ذلك؛ فهو أصغر، وإذا كان هذا شركا؛ فكيف بمن يجعل حق الخالق للرسول صلى الله عليه وسلم؟! هذا أعظم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ليس له شيء من خصائص الربوبية، بل يلبس الدرع، ويحمل السلاح، ويجوع، ويتألم، ويمرض، ويعطش كبقية الناس، ولكن الله فضَّله على البشر بما أوحي إليه من هذا الشرع العظيم، قال تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ )؛ فهو بشر، وأكد هذه البشرية بقوله: (مِثْلُكُمْ)، ثم جاء التمييز بينه وبين بقية البشر بقوله تعالى: ( يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ )، ولا شك أن الله أعطاه من الأخلاق الفاضلة التي بها الكمالات من كل وجه؛ أعطاه من الصبر العظيم، وأعطاه من الكرم ومن الجود، لكنها كلها في حدود البشرية، أما أن تصل إلى خصائص الربوبية؛ فهذا أمر لا يمكن، ومن ادعى ذلك؛ فقد كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وكفر بمن أرسله.
فالمهم أننا لا نغلو في الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فننزله في منزلة هو ينكرها، ولا نهضم حقه الذي يجب علينا؛ فنعطيه ما يجب له، ونسأل الله أن يعيننا على القيام بحقه، ولكننا لا ننزله منزلة الرب عز وجل " انتهى من"القول المفيد" (2 / 231).
وللأهمية طالع جواب السؤال رقم : (221105)، ورقم :(161522).
والله أعلم.