الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

ما حكم العطف بالواو في قول : ( الشكر لله ولفلان ) ؟

221105

تاريخ النشر : 27-09-2014

المشاهدات : 52881

السؤال

معلوم أنه لا يجوز أن يقول الإنسان ( ما شاء الله وشاء فلان ) كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن أحدهم قال مرة إن الله عز وجل قال : ( أن اشكر لي ولوالديك ) ، فعطف الوالدين ولم يقل ( ثم لوالديك ) , فقال : إنه يجوز أن يقول الإنسان الشكر لله ولفلان وليس شرطا أن يقول ثم لفلان . فما الجواب عن هذه الشبهة ( الشكر لله ولفلان) ؟

الجواب

الحمد لله.


أولاً :
لا بأس أن يقول الإنسان " الشكر لله ولفلان " ، هكذا بحرف العطف " واو " ، ولا يشترط أن يعطف بينهما بحرف العطف " ثم " .
والآية الكريمة التي استدلَّ بها صاحبُك تدلُّ على هذا ؛ فقرنَ سبحانه وتعالى بين عبادته وطاعته والإحسان إلى الوالدَين بحرف العطف " واو " ، ولم يقُل : " ثُمَّ لوالدَيك ".

وأما استشكال جواز ذلك بما ثبتَ من النهي عن التشريك بين الله وأحدٍ من عباده بحرف العطف " واو " ، كما في المشيئة ونحوها ، كقول " ما شاء الله وشئت " ، أو " أنا بالله وبك " ، " هذا بفضل الله وبفضل فلان " ، ونحو ذلك ؛ فيُجاب عنه :
بأنَّ هذا النهيَ إنَّما هو في الأمور الكونيَّة التابعة لربوبيَّة الله عزَّ وجلَّ ، كالمشيئة والإرادة والتقدير والنصرة والرِّزق ، ونحوها ممَّا يختصُّ به الله سبحانه ، ممَّا هو من مقتضيات ربوبيَّته سبحانه في تدبير الكون ، وما كان منها من المخلوق فهي أسباب مخلوقة تابعة للربوبيَّة المطلقة ، فتعطَف بحرف " ثم " .
أمَّا الأمور التي لا يختصُّ الله تعالى بها دون خلقه ، بل يقوم بها العبد حقيقةً ، ويُنسَب إليه فعلُها ؛ فالأمر فيها سهل ، ولا يشترط فيها العطف بحرف " ثم " ، وقد جاءت النصوص الشرعيَّة بمشروعيَّة الجمع والتشريك بينها وبين فِعْل الله بحرف العطف " واو " .
كقول الله سبحانه وتعالى: ( وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) التوبة/74 ، وكقوله سبحانه : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ) التوبة/59 ، وقوله : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) الأحزاب/37 .
والآية المسئول عنها في السؤال دليلٌ على هذا أيضًا ؛ وهي قوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) لقمان/14 . وعلى ذلك : " فيكون التشريك في أصل المعنى ، لا في المرتبة " .
ينظر : " التمهيد شرح كتاب التوحيد " للشيخ صالح آل الشيخ .

ثانيًا :
ذكرَ بعضُ أهل العلم أنَّ الجمع بين الشُّكرَين بالواو في قولِه تعالى ( اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ) ، منسوخٌ بأحاديث النهي عن التشريك في المشيئة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَقُولُوا : مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ ، وَلَكِنْ قُولُوا : مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ ) رواه أبو داود (4980) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود "، وغيره من أحاديث الباب ، فيكون العطف في الشكر بـ " ثم " ، فيتقدَّم الشكر لله كالمشيئة . انظر : الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب (ص/ 379) .

قال الإمام الطحاوي رحمه الله : " قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى مَا قَدْ دَلَّ عَلَى إبَاحَةِ هَذَا الْمَحْظُورِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ , ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ تَعَالَى : ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ) ، وَلَمْ يَقُلْ : " ثُمَّ لِوَالِدَيْكَ " ؟
فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ : أَنَّ هَذَا مِمَّا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ نَهْيِ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ مِثْلِهِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، ثُمَّ نَهَى عَنْ مَا نَهَى عَنْهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ؛ فَكَانَ ذَلِكَ نَسْخًا لِمَا قَدْ كَانَ مُبَاحًا مِمَّا قَدْ تَلَوْتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَنْسَخُ الْقُرْآنَ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يَنْسَخُ مَا شَاءَ مِنْهُمَا بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا " انتهى من " شرح مشكل الآثار " (1/219) .

وادِّعاء النسخ فيه نظرٌ ؛ فمثله يفتقر إلى دليل ، ثم إنَّه لا يُصار إلى ادِّعاء النَّسْخ إلا بعد تعذُّر الجمع بين الأدلَّة ، وقد أمكنَ الجمع - كما تقدَّم - ، والحمد لله .

وذهب آخرون من أهل العِلْم أنَّ ما وردَت به النصوص من التشريك بين الله وأحد من خلقه بحرف العطف " واو " ، هو خاصٌّ بكلام الله وحدَه ، ولا يُقاس عليه كلام المخلوق الذي يجب عليه التأدُّب في مقام الربوبيَّة بكلام الخالق جلَّ وعلا ، وهذا كما أنه يجوز للخالق سبحانه أن يحلف بما يشاء من خلقه ، ولا يجوز للمخلوق أن يحلف إلا بالله عز وجل .
ينظر : " الفتاوى الفقهية الكبرى " لابن حجر الهيتمي (4/ 248) ، و" تيسير العزيز الحميد " (ص/520) .
وينظر لمزيد من الفائدة : جواب سؤال رقم : (161522) .

وعلى هذا ؛ فلا بأس من قول " الشكر لله وفلان " ، وإن تأدَّب القائل وعطف بينهما بحرف العطف " ثم " فهو أولَى ؛ خروجًا من الخلاف وزيادةً في الأدب مع الله تعالى .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب