تمنعهم أمهم من أخذ نصيبهم من تركة والدهم ، ومسائل في العدل في العطية
توفى رجل وترك زوجة و3 أبناء ( 2منهم تحت سن 21 يعني : قُصََّر) وبنتين ، زوّج الأب بنتاً واحدة فقط من أولاده الخمسة قبل وفاته ، والابنة الأخرى وواحد من الأولاد الذكور أنهوا دراستهم ، ويعملون الآن ، أما الولدان الآخران فما زالا في مرحلة الدراسة .
كانت الأم تعمل مع الأب ، ويضعوا مرتباتهما هما الاثنان مع بعض بموافقة الزوجة طبعاً ( فهي كانت موافقة ، وكانت تقول له : المهم أن مكافأة نهاية الخدمة تكون لي ، وهذا ما حدث ) ثم يأخذ الزوج ما يدخرونه ويشتري عقارات باسمه هو .
الأسئلة :
هل عندما يقسم الورثة مال أبيهم هل يضعوا في الاعتبار مرتبات أمهم السابقة ، ويفصلونها بعيداً عن التركة ، ثم يتم توزيع التركة عليهم جميعاً ؟ ( أي : الزوجة و3 أبناء وبنتان ) ، تقول الأم : إنه لن يتم تقسيم تركة أبيكم إلا أن ينهي الجميع دراسته ، ويتم تزوجهم ، كما زوَّج أبيكم أختكم الكبرى ، ثم بعد ذلك سيتم توزيع التركة شرعاً ( للذكر مثل نصيب البنتين ) فهل هذا جائز ؟
ومتى يتم شرعاً تقسيم التركة ؟
الزوجة لا تريد أحداً من الأبناء معرفة ما هي تركة أبيهم بالضبط كي لا يأتي أحد منهم عندما تقرر القسمة ويقول نصيبي كان أكثر من ذلك فهل هذا جائز ؟ قبل أن يتوفى الأب اشترى سيارة وكتبها باسم ابنه الكبير نزولا على رأى زوجته بحجة أن منصب ابنه يسمح له إذا تمت عملية سحب للرخص أن يسترجعها بسهوله ، وكان الأب ينوى أن يشتري لكل من أبنائه سيارة بنفس ثمن سيارة أخيهم ويشتري للبنت غير المتزوجة أيضا سيارة ، ولكن بنصف الثمن ، وقد دفع لإحضار سيارتها أكثر من نصف الثمن ثم توفي ، ويعطي للبنت المتزوجة نصيبها هي الأخرى ، ولكن بعد وفاة الأب قالت الأم : إن السيارة للابن الكبير ، وأبوه اشتراها له ؛ لأنه ابن بار به ، والأب حر في التصرف في ماله ويعطى أي أبنائه ما يشاء ، ما دام هذا الابن بارّاً ، وبالنسبة لسيارة البنت التي تم دفع أكثر من نصفها سحبت الأم هذه النقود بحجة أنها لا تستطيع أن تكمل الباقي ؛ لأنها إذا سحبت نقوداً من البنك سيتم تحويل الميراث كله للمجلس الحسبي الذي سيقوم بحجب نصيب القصَّر على جنب ، ولا تستطيع التصرف في نصيب القصَّر إلا بالرجوع للمجلس الحسبي ، فهل هذا جائز ؟ من الأسباب التي تتخذها الأم لعدم قسمة الميراث - كما قلت لسماحتكم - المجلس الحسبي ، حيث تقول على القصَّر : هل يعقل أن أظل أصرف عليهم حتى يبلغوا ، ثم بعد ذلك عند بلوغهم يأخذون نصيبهم كله دون أي اعتبار لما صرفته عليهم فيما سبق من حسابي حتى بلغوا ؟ وقد طلبت الأم من أبنائها الثلاثة الراشدين بعد وفاة أبيهم عمل توكيل رسمي لها شامل لكي تستطيع التصرف في الميراث ، وستطلب من القصَّر عند بلوغهم ذلك أيضاً ، فما حكم الإسلام في كل نقطة ؟ .
وجزاكم الله عنَّا وعن الإسلام خيراً ، وجعل الله عملكم خالصاً لوجهه الكريم ، وفي ميزان حسناتكم ، وأنا فعلاً أعتذر عن الإطالة .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
الأصل في مال الزوجة أنه مِلك لها ، ولا يحل لزوجها أخذه ، أو أخذ شيءٍ منه إلا
بطيب نفسٍ منها ، وقد حرَّم الله تعالى أكل أموال الناس بالباطل ، وأذن للزوج أن
يأخذ من مال زوجته إن تنازلت عن شيء منه بطيب نفْس ، لا بإكراه ولا بإحراج .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ )
النساء/ 29
.
وقال تعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ
عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً )
النساء/4
.
ثانياً:
بذل الزوجة راتبها لزوجها عن طيب نفس هو تبرع منها يمتلكه الزوج بقبضه ، وعلى هذا
فلا يراعى مرتبات الأم السابقة التي أعطتها لزوجها ، لأنها لم تكن قرضاً حتى
تستردّها من التركة .
ثالثاً:
إذا مات المورّث : فإن أمواله تنتقل بموته للورثة مباشرة ، ولا يجوز لأحدٍِ أن
يُخفي التركة عن الورثة ، ولا يجوز لأحدٍ أن يعطِّل قسمة الميراث ، فإن اتفق الورثة
على عدم تقسيم التركة كلها أو بعضها فلا حرج في ذلك ، فإن رغب واحد منهم في حصته
فيجب أن يعطى له نصيبه من الميراث ، فإما أن يباع العقار ويُعطى نصيبه منه ، أو
يشتري أحد الورثة – أو كلهم – نصيبه ، فيدفعون له ثمن حصته من الميراث ، دون ظلم أو
بخس .
وينظر جواب السؤال رقم (
4089 ) .
رابعاً:
الواجب على الأب والأم أن يعدلوا بين أولادهم في العطية ، ولا يجوز لهم تفضيل أحدهم
على الآخر ، ولو كان هذا المفضَّل بارّاً بوالديه ، لكن لهما أن يفضلا أحد الأولاد
إذا وجد سبب شرعي يقتضي ذلك ، كما لو كان صاحب عائلة كبيرة لا يستطيع النفقة عليها
، أو كان معاقاً.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (36872)
.
فإن أعطى أحد الوالدين أحداً من أولادهم عطية دون الآخرين : وجب عليهم استردادها ،
ووجب على الولد إرجاعها وعدم قبولها .
ومنه يُعلم : أن السيارة التي اشتراها الوالد لابنه : لا يحل له أخذها ، وادعاء
حاجة الابن للسيارة يمكن علاجها بشراء الأب سيارة ليركبها ابنه ، لكن لا تكون ملكاً
له ، بل تكون مِلكاً للأب ، حتى إذا مات
الأب : صارت من التركة .
فليس للابن إلا أن يجعل السيارة التي اشتراها له والده في التركة ، أو يقدِّر ثمنها
، ويتملكها خصماً من نصيبه في الميراث ، وإذا سمح الورثة له بتملكها : صارت ملكاً
له .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله – عن مسألة مشابهة :
" أما ما ذكره الأخ السائل من أن الأب منح ابنه أرضاً ... فإنه لا يحل له أن يعطيه
أرضاً دون إخوته ، وإذا قدِّر أنه أعطاه : فإنه يجب عليه في حياته أن يعطي الآخرين
مثل ما أعطاه ، أو يرد الأرض ، وتكون من جملة المال الذي يورَث من بعده ، فإن مات
قبل ذلك : فإن سمح الأولاد بهذه العطية : فهي ماضية نافذة ، كما لو سمحوا بها في
حياته ، وإن لم يسمحوا بها : فإنها ترد في الميراث ، وتورث من جملة ماله "
" لقاءات الباب المفتوح " ( 39 / السؤال رقم 1 )
.
وقال – رحمه الله – فيمن احتاج أحد أبنائه سيارة :
أنه يشتري سيارة لينتفع بها الابن ولكن تكون ملكاً للأب ، لأن الابن يحتاج إلى
الانتفاع بها فقط .
وانظر
" لقاءات الباب المفتوح " ( 73 / السؤال رقم 27 )
.
خامساً:
كما يجب على الوالديْن العدل في النفقة التي لها سبب إن تكرر السبب نفسه مع غيره من
الأولاد ، فإذا زوَّج أحد أولاده : وجب عليه تزويج باقي أولاده إن احتاجوا إلى
الزواج ، وكان عند والديه المقدرة على تزويجه ، ولا يشترط أن تتساوى التكلفة ، فقد
يكلِّف زواج أحدهم ما لا يكلفه الآخر ، ولا يحل للوالدين إذا زوَّجا أحد أولادهم أن
يبذلوا تكلفة الزواج مالاً لباقي أولادهم ، وبعد الوفاة لا يحل أخذ هذا المال من
التركة وإعطائه للأولاد الذين لم يتزوجوا في حياة أبيهم ، إلا إذا رضي الورثة بذلك
.
وما قلناه في التزويج نقوله في العلاج ، والتعليم ، وغيرهما .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
الأصل أنه لا يحل للوالد أن يعطي أحداً من أبنائه أو بناته شيئاً إلا إذا أعطى
الآخرين مثله ؛ لأن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه أعطى ابنه النعمان بن بشير
عطية ، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليُشهده على عطية ابنه ، فقال له : ( ألك
بنون ؟ قال : نعم ، قال : أنحلتهم مثل هذا ؟ قال : لا ، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم : اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) ، وقال له أيضاً : ( أَشْهِد على هذا غيري
؛ فإني لا أشهد على جور ) ، فلا يجوز للأب أن يخص أحد أولاده من بنين أو بنات بشيء
إلا إذا أعطى الآخرين مثله ، أو إذا سمحوا ، وطابت نفوسهم عن اختيار ، ورضا ، وهم
راشدون ، فإن هذا أيضاً لا بأس به ، وإلا إذا كان عطاء لدفع حاجة النفقة ، أو حاجة
الزواج ، مثل أن يكون أحدهم غنيّاً ولا يحتاج إلى نفقة أبيه ، والثاني فقيراً يحتاج
إلى نفقة أبيه ، فينفق على هذا الفقير بقدر حاجته ، فإن ذلك جائز ، وإن لم يعط
الآخر الغني ، وكذلك لو احتاج أحد الأبناء إلى زواج فزوَّجه ؛ فإنه لا يلزمه أن
يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا لزواجه ، ولكن يجب عليه إذا بلغ الآخرون سن الزواج
وأرادوا أن يتزوجوا أن يزوجهم كما زوَّج الأول .
وبهذه المناسبة أشير إلى مسألة يفعلها بعض الناس ، وهي : أنه يكون له أولاد بلغوا
سن الزواج ، فيزوجهم ، ويكون له أولاد صغار ، ولم يبلغوا سن الزواج ، فيوصي لهم بعد
الموت بمقدار ما أعطى إخوتهم : فإن هذه الوصية حرام ، وباطلة ؛ وذلك لأن تزويجه
للكبار كان دفعاً لحاجتهم ، وهؤلاء الصغار لم يبلغوا سنّاً يحتاجون فيه للزواج ،
فإذا أوصى لهم بعد موته بمثل ما زوج به الآخرين : فإن ذلك حرام ، ولا يصح ، ولا
تنفذ الوصية .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 39 / السؤال رقم 1 )
.
وقال – رحمه الله - :
لا يجوز للرجل إذا زوَّج أبناءه الكبار أن يُوصي بالمهر لأبنائه الصغار ، ولكن يجب
عليه إذا بلغ أحد من أبنائه سن الزواج أن يزوِّجه كما زوَّج الأول ، أما أن يوصي له
بعد الموت : فإن هذا حرام ، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله
أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 18 / جواب السؤال رقم 296 )
.
وعليه : فما تقوله الأم من تأخير تقسيم التركة حتى يتم تزويج الباقي من أولادها
وإتمامهم دراستهم أمرٌ منكر ، ولا يحل لها فعله ، ولا يحل للأولاد قبوله .
سادساً:
لا يلزم الأولاد عمل توكيل لأمهم للتصرف في التركة ؛ لأنها لا تملك إلا نصيبها ،
وإن أرادوا توكيلها في نصيبهم فلهم ذلك ، وقد بيَّنا أنه لا يجوز للأم التحكم في
التركة ، وفي نصيب أولادها ، بل عليها فتح المجال لتقسيمها وفق الشرع إذا طلب
الأولاد ذلك .
وأما النفقة على الأولاد : فإن الأم ليست ملزمة بالنفقة عليهم إلا أن يكونوا لا
يملكون مالاً ، وتكون هي قادرة على الإنفاق عليهم ، وأما مع تملكهم للمال فإن
النفقة تكون في أموالهم .
والله أعلم