الحمد لله.
أولاً:
الأصل في مال الزوجة أنه مِلك لها ، ولا يحل لزوجها أخذه ، أو أخذ شيءٍ منه إلا بطيب نفسٍ منها ، وقد حرَّم الله تعالى أكل أموال الناس بالباطل ، وأذن للزوج أن يأخذ من مال زوجته إن تنازلت عن شيء منه بطيب نفْس ، لا بإكراه ولا بإحراج .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/ 29 .
وقال تعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) النساء/4 .
ثانياً:
بذل الزوجة راتبها لزوجها عن طيب نفس هو تبرع منها يمتلكه الزوج بقبضه ، وعلى هذا فلا يراعى مرتبات الأم السابقة التي أعطتها لزوجها ، لأنها لم تكن قرضاً حتى تستردّها من التركة .
ثالثاً:
إذا مات المورّث : فإن أمواله تنتقل بموته للورثة مباشرة ، ولا يجوز لأحدٍِ أن يُخفي التركة عن الورثة ، ولا يجوز لأحدٍ أن يعطِّل قسمة الميراث ، فإن اتفق الورثة على عدم تقسيم التركة كلها أو بعضها فلا حرج في ذلك ، فإن رغب واحد منهم في حصته فيجب أن يعطى له نصيبه من الميراث ، فإما أن يباع العقار ويُعطى نصيبه منه ، أو يشتري أحد الورثة – أو كلهم – نصيبه ، فيدفعون له ثمن حصته من الميراث ، دون ظلم أو بخس .
وينظر جواب السؤال رقم ( 4089 ) .
رابعاً:
الواجب على الأب والأم أن يعدلوا بين أولادهم في العطية ، ولا يجوز لهم تفضيل أحدهم على الآخر ، ولو كان هذا المفضَّل بارّاً بوالديه ، لكن لهما أن يفضلا أحد الأولاد إذا وجد سبب شرعي يقتضي ذلك ، كما لو كان صاحب عائلة كبيرة لا يستطيع النفقة عليها ، أو كان معاقاً.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (36872) .
فإن أعطى أحد الوالدين أحداً من أولادهم عطية دون الآخرين : وجب عليهم استردادها ، ووجب على الولد إرجاعها وعدم قبولها .
ومنه يُعلم : أن السيارة التي اشتراها الوالد لابنه : لا يحل له أخذها ، وادعاء حاجة الابن للسيارة يمكن علاجها بشراء الأب سيارة ليركبها ابنه ، لكن لا تكون ملكاً له ، بل تكون مِلكاً للأب ، حتى إذا مات الأب : صارت من التركة .
فليس للابن إلا أن يجعل السيارة التي اشتراها له والده في التركة ، أو يقدِّر ثمنها ، ويتملكها خصماً من نصيبه في الميراث ، وإذا سمح الورثة له بتملكها : صارت ملكاً له .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله – عن مسألة مشابهة :
" أما ما ذكره الأخ السائل من أن الأب منح ابنه أرضاً ... فإنه لا يحل له أن يعطيه أرضاً دون إخوته ، وإذا قدِّر أنه أعطاه : فإنه يجب عليه في حياته أن يعطي الآخرين مثل ما أعطاه ، أو يرد الأرض ، وتكون من جملة المال الذي يورَث من بعده ، فإن مات قبل ذلك : فإن سمح الأولاد بهذه العطية : فهي ماضية نافذة ، كما لو سمحوا بها في حياته ، وإن لم يسمحوا بها : فإنها ترد في الميراث ، وتورث من جملة ماله "
" لقاءات الباب المفتوح " ( 39 / السؤال رقم 1 ) .
وقال – رحمه الله – فيمن احتاج أحد أبنائه سيارة :
أنه يشتري سيارة لينتفع بها الابن ولكن تكون ملكاً للأب ، لأن الابن يحتاج إلى الانتفاع بها فقط .
وانظر " لقاءات الباب المفتوح " ( 73 / السؤال رقم 27 ) .
خامساً:
كما يجب على الوالديْن العدل في النفقة التي لها سبب إن تكرر السبب نفسه مع غيره من الأولاد ، فإذا زوَّج أحد أولاده : وجب عليه تزويج باقي أولاده إن احتاجوا إلى الزواج ، وكان عند والديه المقدرة على تزويجه ، ولا يشترط أن تتساوى التكلفة ، فقد يكلِّف زواج أحدهم ما لا يكلفه الآخر ، ولا يحل للوالدين إذا زوَّجا أحد أولادهم أن يبذلوا تكلفة الزواج مالاً لباقي أولادهم ، وبعد الوفاة لا يحل أخذ هذا المال من التركة وإعطائه للأولاد الذين لم يتزوجوا في حياة أبيهم ، إلا إذا رضي الورثة بذلك .
وما قلناه في التزويج نقوله في العلاج ، والتعليم ، وغيرهما .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
الأصل أنه لا يحل للوالد أن يعطي أحداً من أبنائه أو بناته شيئاً إلا إذا أعطى الآخرين مثله ؛ لأن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه أعطى ابنه النعمان بن بشير عطية ، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليُشهده على عطية ابنه ، فقال له : ( ألك بنون ؟ قال : نعم ، قال : أنحلتهم مثل هذا ؟ قال : لا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) ، وقال له أيضاً : ( أَشْهِد على هذا غيري ؛ فإني لا أشهد على جور ) ، فلا يجوز للأب أن يخص أحد أولاده من بنين أو بنات بشيء إلا إذا أعطى الآخرين مثله ، أو إذا سمحوا ، وطابت نفوسهم عن اختيار ، ورضا ، وهم راشدون ، فإن هذا أيضاً لا بأس به ، وإلا إذا كان عطاء لدفع حاجة النفقة ، أو حاجة الزواج ، مثل أن يكون أحدهم غنيّاً ولا يحتاج إلى نفقة أبيه ، والثاني فقيراً يحتاج إلى نفقة أبيه ، فينفق على هذا الفقير بقدر حاجته ، فإن ذلك جائز ، وإن لم يعط الآخر الغني ، وكذلك لو احتاج أحد الأبناء إلى زواج فزوَّجه ؛ فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا لزواجه ، ولكن يجب عليه إذا بلغ الآخرون سن الزواج وأرادوا أن يتزوجوا أن يزوجهم كما زوَّج الأول .
وبهذه المناسبة أشير إلى مسألة يفعلها بعض الناس ، وهي : أنه يكون له أولاد بلغوا سن الزواج ، فيزوجهم ، ويكون له أولاد صغار ، ولم يبلغوا سن الزواج ، فيوصي لهم بعد الموت بمقدار ما أعطى إخوتهم : فإن هذه الوصية حرام ، وباطلة ؛ وذلك لأن تزويجه للكبار كان دفعاً لحاجتهم ، وهؤلاء الصغار لم يبلغوا سنّاً يحتاجون فيه للزواج ، فإذا أوصى لهم بعد موته بمثل ما زوج به الآخرين : فإن ذلك حرام ، ولا يصح ، ولا تنفذ الوصية .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 39 / السؤال رقم 1 ) .
وقال – رحمه الله - :
لا يجوز للرجل إذا زوَّج أبناءه الكبار أن يُوصي بالمهر لأبنائه الصغار ، ولكن يجب عليه إذا بلغ أحد من أبنائه سن الزواج أن يزوِّجه كما زوَّج الأول ، أما أن يوصي له بعد الموت : فإن هذا حرام ، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 18 / جواب السؤال رقم 296 ) .
وعليه : فما تقوله الأم من تأخير تقسيم التركة حتى يتم تزويج الباقي من أولادها وإتمامهم دراستهم أمرٌ منكر ، ولا يحل لها فعله ، ولا يحل للأولاد قبوله .
سادساً:
لا يلزم الأولاد عمل توكيل لأمهم للتصرف في التركة ؛ لأنها لا تملك إلا نصيبها ، وإن أرادوا توكيلها في نصيبهم فلهم ذلك ، وقد بيَّنا أنه لا يجوز للأم التحكم في التركة ، وفي نصيب أولادها ، بل عليها فتح المجال لتقسيمها وفق الشرع إذا طلب الأولاد ذلك .
وأما النفقة على الأولاد : فإن الأم ليست ملزمة بالنفقة عليهم إلا أن يكونوا لا يملكون مالاً ، وتكون هي قادرة على الإنفاق عليهم ، وأما مع تملكهم للمال فإن النفقة تكون في أموالهم .
والله أعلم
تعليق