الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

الترهيب من تكفير المسلم بغير بينة ، وقبل قيام الحجة عليه .

218441

تاريخ النشر : 24-11-2014

المشاهدات : 49293

السؤال

ما صحة الحديث التالي ؟ لأني رأيت جماعات ضالة في الهند تستخدمه ضدنا، خصوصاً عندما نحذرهم من عبادة القبور ونقول لهم : إن ذلك شرك. هذا هو نص الحديث: أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن مما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن ، حتى إذا رؤيت بهجته عليه ، وكان رداؤه الإسلام اعتراه إلى ما شاء الله انسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك ) ، قال قلت يا نبي الله أيهما أولى بالشرك المرمي أو الرامي ؟ ، قال : ( بل الرامي ). رواه بن حبان في صحيحه، المجلد الأول، ص 282.

الجواب

الحمد لله.

أولا :
يجب الحذر الشديد من تكفير المسلم ، فإن من الذنوب العظيمة أن يكفر المسلم أخاه المسلم وهو بريء من ذلك .
روى ابن حبان (81) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" (2907) ، والبزار (2793) عن حذيفة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ ) ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ قَالَ: ( بَلِ الرَّامِي )" .
قال ابن كثير رحمه الله :
" إِسْنَادٌ جَيِّدٌ " انتهى ، وحسنه الألباني في "الصحيحة" (3201) .
ويشهد لهذا المعنى ما رواه البخاري (6104) ، ومسلم (60) - واللفظ له - عن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ : يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ ) .
وانظر جواب السؤال رقم : (33769) .
ثانيا :
هذا التشديد إنما هو فيمن رمى مسلما بالكفر ، وهو بريء منه ، بل تجرأ على ذلك بغير سلطان شرعي .
أما إذا كان المرمي بالشرك أهلا لما رمي به : فلا شيء على الرامي ، لأنه قد وصفه بما يستحقه ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( فإن كان كما قال وإلا رميت عليه ) يعني إذا كان المرمي بالكفر : قد فعل ما يوجب تكفيره فعلا ، فلا حرج على من قال له يا كافر.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" ( إذا قال الرجل لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما ) فالمعنى : إذا كان ليس أهلا لذلك ، إذا قال له: يا كافر وليس أهلا لذلك ، أما إذا كان أهلا لذلك فإنه يبوء بها هو، المقول له " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (6/ 253) .
والظاهر من الحديث : أنه في حال الخوارج ، الذين ابتدعوا تكفير المسلمين ، فكفروا أهل الكبائر ، أو أهل المعاصي ، وسعوا عليهم بالسيف ، فتركوا أهل الأوثان ، وقاتلوا أهل الإسلام ، وهذا هو وصفهم الثابت في غير هذا من الأحاديث والآثار .
ثالثا:
لا يجوز تكفير المسلم حتى تقوم عليه الحجة الشرعية أن ما يفعله كفر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا لم تبلغه الحجة، فإنه لا يحكم بكفره؛ لقوله تعالى: (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) . وقوله تعالى: (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) . وقوله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) إلى قوله: (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما) . وقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (3/ 53)
وقال أيضا :
" لا يقال للشخص المعين : يا كافر حتى تقام عليه الحجة ، ويتبين له أن فعله كفر " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (4/ 2) بترقيم الشاملة .
وانظر جواب السؤال رقم : (111362) .

وقد تقدم في جواب السؤال رقم : (85102) أنه يجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق أن ينظر في أمرين :
أحدهما : دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق .
الثاني : انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين ، بحيث تتم شروط التكفير أو التفسيق في حقه ، وتنتفي الموانع .
ومن أهم الشروط :
1- أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً أو فاسقاً .
2- ومن الموانع أن يقع ما يوجب الكفر أو الفسق بغير إرادة منه .
3- ومن الموانع أن يكون متأولا تأويلا سائغا : يعني أن تكون عنده بعض الشبه التي يتمسك بها ويظنها أدلة حقيقية ، أو يكون لم يستطع فهم الحجة الشرعية على وجهها .

رابعا :
من الأهمية بمكان في هذه المسألة : أن نعلم أن الشخص المعين ، وإن كان معذورا بخطأ ، أو جهل ، أو تأويل سائغ ، أو نحو ذلك من الأعذار ؛ فإن ذلك لا يعني : أن الفعل في نفسه لا يوصف بكونه كفرا ، أو شركا ؛ بل هذا وصف ثابت للأفعال ، بحكم الله فيها ، وهذا المطلوب الأعظم ، والمقصود الأهم في هذا الباب ، لا سيما في أوقات الجهل والفترات ، وأزمنة الاستضعاف ، التي لا يكون فيها سلطان قائم للمسلمين ، فيصبح النظر في حال الفاعل في كثير من الأحوال : مسألة نظرية أكثر من أن يكون لها واقع عملي ، وإنما المهم في الدعوة ، أيا ما كان المكان والزمان : أن تتبين مخالفة الفعل المعين لشرع الله ، ويحكم عليه بما يستحق في الميزان الشرعي ، ليحذر فاعله من الإقدام عليه .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (118144) ، ورقم : (194157).
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب