الحمد لله.
أولا:
كلام الفقهاء عن المفطرات، لا علاقة له بنية المريض، ونية الطبيب، بل المفطرات إما منصوص عليها من الشارع، وإما مقيسة عليها.
فمن المنصوص عليه: الأكل والشرب، كما قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، فأباح الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، ثم أمر بالإمساك عنهما إلى أول الليل وهو غروب الشمس.
وروى البخاري (1903) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ).
وروى البخاري (1933) ، ومسلم (1155) واللفظ له عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ).
إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على كون الأكل والشرب في نهار رمضان من المفطرات.
وألحق كثير من الفقهاء بذلك كل ما دخل إلى الجوف، من منفذ الأكل والشرب أو من غيره.
واقتصر بعضهم على التفطير بما كان في معنى الأكل والشرب، كالحقن المغذية.
ولا شك أن الحقن والمحاليل كلها علاج، لكن الحقن منها المغذي الذي يقوم مقام الأكل والشرب، ومنها غير المغذي، أما المحاليل التي تعطى عن طريق الوريد –سكرية أو ملحية- فإنها مغذية، ويحصل بها الفطر، بخلاف محلول غسل المثانة فإنه لا يفطر كما سيأتي.
وقد سبق الكلام على مفسدات الصوم في جواب السؤال رقم : (38023) ، ومما جاء فيه:
" الرابع من المفطرات : ما كان بمعنى الأكل والشرب .
وذلك يشمل أمرين :
1- حَقن الدم في الصائم ، كما لو أصيب بنزيف فحقن بالدم ، فإنه يفطر لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب.
2- الإبر (الحقن) المغذية التي يُستغنى بها عن الطعام والشراب ، لأنها بمنزلة الأكل والشرب . الشيخ ابن عثيمين "مجالس شهر رمضان" ص 70 .
وأما الإبر التي لا يُستعاض بها عن الأكل والشرب ، ولكنها للمعالجة ، كالبنسلين والأنسولين ، أو تنشيط الجسم أو إبر التطعيم : فلا تضرّ الصيام سواء عن طريق العضلات أو الوريد . "فتاوى محمد بن إبراهيم" (4/189) ، والأحوط أن تكون كل هذه الإبر بالليل .
وغسيل الكلى الذي يتطلب خروج الدم لتنقيته ثم رجوعه مرة أخرى مع إضافة مواد كيماوية وغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم : يعتبر مفطّرا . "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/19). " انتهى.
وبينا في جواب السؤال رقم : (233663) أن "محلول الملح الذي يُعطى لبعض المرضى عن طريق الوريد : مفسد للصيام ، لأنه داخل في ضمن المواد المغذية ، (ففيه أملاح وسوائل) تدخل الجوف وينتفع بها الجسم" .
وفي تحديد معنى المغذي وغير المغذي ، يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ألحق العلماء بالمفطرات : ما كان بمعنى الأكل والشرب ، مثل الإبر المغذية .
وليست المغذية هي التي ينشط بها الجسم أو يبرأ بها، وإنما الإبر المغذية هي التي تغني عن الأكل والشرب ، وعلى هذا فجميع الإبر التي لا تغني عن الأكل والشرب لا تفطر، سواء كانت من الوريد ، أو من الفخذ، أو من أي مكان" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (19/ 199).
ويحسن هنا أن نورد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي في المفطرات في مجال التداوي:
" إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة في المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 23-28 صفر 1418هـ الموافق 28 - حزيران (يونيو) - 3 تموز (يوليو) 1997م،
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة في المجمع بخصوص موضوع المفطرات في مجال التداوي، والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ، بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى ، في الدار البيضاء بالمملكة المغربية في الفترة من 9 - 12 صفر 1418هـ الموافق 14 - 17 حزيران ( يونيو ) 1997م ، واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة الفقهاء والأطباء، والنظر في الأدلة من الكتاب والسنة، وفي كلام الفقهاء،
قرر ما يلي :
أولاً : الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات :
1- قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
2- الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
3- ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس) ، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي .
4- إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم .
5- ما يدخل الإحليل، أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى، من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة .
6- حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
7- المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم ، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
8 - الحُقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية .
9 - غاز الأكسجين .
10 - غازات التخدير (البنج) ما لم يعط المريض سوائل (محاليل) مغذية .
11- ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد ، كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية .
12- إدخال قثطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء .
13- إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها .
14- أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل.
15- منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى .
16- دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاج الشوكي .
17- القيء غير المتعمد بخلاف المتعمد (الاستقاءة) .
ثانياً : ينبغي على الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق" انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي".
ثانيا:
العامل المتأذي بالشمس والحر، كمن يعمل في البناء، أو مصنع الحديد والصلب، ليس له رخصة في الفطر، إلا إذا بلغت منه المشقة مبلغا يؤدي إلى هلاكه بالعطش، أو إصابته بالمرض، ويلزمه أن ينوي الصيام من الليل، وأن يصبح صائما، فإذا لحقه الحرج والمشقة الشديدة، فإنه يفطر بما يحفظ نفسه، ثم يمسك بقية يومه، ويقضي.
والقول بأنه لا يجد فرصة للقضاء غير صحيح، فيمكنه أن يصوم في إجازته، وأن يأخذ إجازة لأجل ذلك.
وهذا العامل لو لجأ إلى المحلول الملحي أو السكري، لم يفده، لأنه سيفطر بذلك كما سبق، وصنيعه هذا تحايل محرم.
ولهذا جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (10/252):" يجوز التداوي بالحقن في العضل والوريد للصائم في نهار رمضان ، ولا يجوز للصائم تعاطي حقن التغذية في نهار رمضان ؛ لأنه في حكم تناول الطعام والشراب ، فتعاطي تلك الحقن يعتبر حيلة على الإفطار في رمضان ، وإن تيسر تعاطي الحقن في العضل والوريد ليلا فهو أولى " انتهى .
وانظر في صوم أصحاب الأعمال الشاقة: جواب السؤال رقم :(12592) ، ورقم :(43772).
ثالثا:
للنية مدخل معاكس في هذا الباب، وذلك في صورة التحايل. فمن سافر ليفطر، حرم عليه السفر والفطر، بخلاف من سافر لغير هذه النية.
قال في "كشاف القناع" من كتب الحنابلة (2/312): " لو سافر ليفطر حرما عليه ، أي : السفر والفطر ، حيث لا علة لسفره إلا الفطر . أما حرمة الفطر فلعدم العذر المبيح له . وأما حرمة السفر فلأنه وسيلة إلى الفطر المحرم " انتهى بتصرف يسير .
والله أعلم.
تعليق