الحمد لله.
أولاً :
القاعدة في واجبات الصلاة وأركانها : أن المصلي يجب عليه الإتيان بما يستطيعه ، ويسقط عنه ما لا يستطيعه .
وبناء على هذا ؛ فإذا كان المصلي يستطيع أن يفتتح الصلاة قائما ، فهذا هو الواجب عليه ، ثم يركع ركوعا كاملا إن استطاع ، فإن لم يستطع فإنه ينحني على قدر استطاعته .
فإن استطاع السجود على الأرض ، فهذا هو الواجب عليه .
فإن لم يستطع فإنه يجلس (على الأرض أو الكرسي) ثم ينحني بالسجود .
فإن لم يستطع القيام مرة أخرى فإنه يكمل صلاته جالسا ، وينحني عند الركوع ، ويسجد على الأرض ، إن استطاع .
فإن لم يستطع ، فإن ينحني للسجود ، ويجعل السجود أخفض من الركوع .
وبهذا يكون المصلي قد امتثل قول الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16 .
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
جاء في "مختصر خليل" المالكي : "وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكُلِّ ، وإنْ سَجَدَ لَا يَنْهَضُ : أَتَمَّ رَكْعَةً ، ثُمَّ جَلَسَ" .
قال الخرشي في شرحه (1/298) "يَعْنِي : أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى جَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ، مِنْ الْقِيَامِ وَقِرَاءَةِ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَالرَّفْعِ مِنْهُمَا وَالْجُلُوسِ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا جَلَسَ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّهُوضِ لِلْقِيَامِ : فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْأُولَى قَائِمًا بِكَمَالِهَا ، وَيُتِمُّ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ جَالِسًا . وَإِلَيْهِ مَالَ اللَّخْمِيُّ وَالتُّونِسِيُّ وَابْنُ يُونُسَ .
وَقِيلَ : يُصَلِّي جُمْلَةَ صَلَاتِهِ قَائِمًا إيمَاءً إلَّا الْأَخِيرَةَ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فِيهَا" انتهى .
وينظر السؤال رقم (36738) ، (105356) .
ثانيا :
وإن كان المصلي قادرا على القيام والاضطجاع ، ولا يقدر على الجلوس ، فإنه يصلي قائما ، ويومئ بالركوع والسجود ويتشهد وهو قائم ويسلم .
قال زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/146) :
"وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ، وَالِاضْطِجَاعِ فَقَطْ : قَامَ بَدَلَ الْقُعُودِ ... لِأَنَّهُ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ ، وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَكَانَهُ ، وَتَشَهَّدَ قَائِمًا ، وَلَا يَضْطَجِعُ" انتهى .
وفي "حاشية العبادي على تحفة المحتاج" (2/23) :
"ولو قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الِاضْطِجَاعِ فَقَطْ ، أَيْ دُونَ الْجُلُوسِ : قَامَ وُجُوبًا ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ ، وَأَوْمَأَ قَائِمًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قُدْرَتَهُ.... وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ قَائِمًا ، وَلَا يَضْطَجِعُ " انتهى .
وقال الخرشي المالكي (1/297) :
"الْعَاجِزُ عَنْ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ ، إلَّا عَنْ الْقِيَامِ فَقَادِرٌ عَلَيْهِ : يَفْعَلُ صَلَاتَهُ كُلَّهَا مِنْ قِيَامٍ ، وَيُومِئُ لِسُجُودِهِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ" انتهى .
وإن كان غير قادر على القيام ، فإنه يصلي جالسا ، ويومئ للركوع والسجود ، وإن استطاع أن يسجد على الأرض وجب عليه ذلك .
قال ابن قدامة في "المغني" (2/570) :
"أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام : له أن يصلي جالسا" انتهى .
وفي حاشية الدسوقي المالكي (2/475) أن العاجز عن القيام "يصلي الصلاة جالسا بركوعها وسجودها" انتهى .
ثالثا :
إذا وجد مريض إما أن يقوم في الصلاة كلها ، وإما أن يجلس في الصلاة كلها ، فإنه يصلي جالسا ، ويدل على ذلك:
أن الشريعة قد جاءت بإسقاط ركن القيام في بعض الحالات ، كصلاة النافلة ، وصلاة الرجل القادر على القيام خلف إمام مريض يصلي جالسا ، فإنه يترك القيام ويصلي جالسا كإمامه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "القيام ركن خفيف يسقط في النوافل مطلقا ، ويسقط في الفرائض في مواضع" انتهى، من "شرح العمدة" (4/515) .
فعند تعارض القيام والجلوس ، فالإتيان بالجلوس هو المقدم ، خاصة وأنه يتمكن بالجلوس من أن يأتي بأركان أخرى في صلاته ، كالسجود ، والجلوس بين السجدتين ، وجلسة التشهد ؛ فلهذا ترجح على إتمام الصلاة من قيام .
والله أعلم .
تعليق