الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

من زنى أو سرق أو شرب الخمر هل تقبل توبته وأعماله الصالحة دون إقامة الحد عليه؟

السؤال

الذي يتجاوز حدود الله من زنا وسب الدين وغيرها من حدود الله ، ولا يطبق عليه الحد، هل عمله يقبل؟ وهل شروط قبول العبادات والأعمال الصالحة والدعاء والصلاة وغيرها مرتبطة بتطبيق الحد عليه أم إنه إذا لم يطبق الحد عليه تكون عبادته صحيحة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

من ابتلي بشيء من الموبقات كالزنى أو السرقة أو شرب الخمر أو الردة عياذا بالله، فالواجب أن يتوب إلى الله تعالى، بالإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم على عدم العود إليه، ورد مظالم العباد إن وجدت.

ومن تاب، تاب الله عليه، مهما كان ذنبه وجرمه، فإن الله تعالى لا يتعاظمه ذنب.

قال تعالى:  وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً  الفرقان/68 - 70.

فذكر الشرك، والقتل، والزنى، ثم أخبر أن من تاب وآمن وعمل صالحا، تاب الله عليه، وبدل سيئاته حسنات.

وقال تعالى:  وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى  طه/82

ثانيا:

لا يلزم من وقع في شيء من ذلك، وتاب: أن يطلب إقامة الحد، بل الأولى له أن يستر نفسه، ويتوب فيما بينه وبين ربه، ويكثر من الأعمال الصالحة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:  اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل  والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم(663) .

وروى البخاري (4894) عن عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِرضى الله عنه : " قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ: أَتُبَايِعُونِى عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ تَزْنُوا وَلاَ تَسْرِقُوا) . وَقَرَأَ آيَةَ النِّسَاءِ - وَأَكْثَرُ لَفْظِ سُفْيَانَ قَرَأَ الآيَةَ – ( فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَهْوَ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ  .

وروى مسلم (2590) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة .

وروى أحمد (21891) عن نعيم بن هزال: " أن هزالا كان استأجر ماعز بن مالك، وكانت له جارية يقال لها: فاطمة، قد أملكت، وكانت ترعى غنما لهم، وإن ماعزا وقع عليها، فأخبر هزالا فخدعه، فقال: انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، عسى أن ينزل فيك قرآن، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرُجم، فلما عضته مس الحجارة، انطلق يسعى، فاستقبله رجل بلَحْي جزور [عظم الفك] ، أو ساق بعير، فضربه به، فصرعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " (ويلك يا هزال، لو كنت سترته بثوبك، كان خيرا لك ) وقال محققو المسند: صحيح لغيره.

وفي صحيح مسلم ( 1695 ) عند ما جاء "ماعز" إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقر بالزنى وقال : "طهِّرني" (يعني بإقامة الحد) ، قال له : (ويحك ؛ ارجع فاستغفر الله وتب إليه) .

قال النووي رحمه الله :"وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى سُقُوط إِثْم الْمَعَاصِي الْكَبَائِر بِالتَّوْبَةِ ، وَهُوَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ " انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر :"ويؤخذ من قضيته – أي : ماعز عندما أقرَّ بالزنى - أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته : أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ، ولا يذكر ذلك لأحدٍ . . . وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه ، فقال : أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب " انتهى من " فتح الباري " ( 12 / 124) .

وقال في "مطالب أولي النهى" (6/ 168): " (ومن أتى) ما يوجب (حدا : ستر نفسه) استحبابا، (ولم) يجب، ولم (يسن أن يُقر به عند حاكم) ، لحديث: (إن الله ستير يحب من عباده الستير)" انتهى.

وقال علماء اللجنة الدائمة :"الحدود إذا بلغت الحاكم الشرعي ، وثبتت بالأدلة الكافية : وجب إقامتها ، ولا تسقط بالتوبة ، بالإجماع ، قد جاءت الغامدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبة إقامة الحد عليها بعد أن تابت ، وقال في حقها : " لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم " ، ومع ذلك قد أقام عليها الحد الشرعي ، وليس ذلك لغير السلطان .

أما إذا لم تبلغ العقوبة السلطان : فعلى العبد المسلم أن يستتر بستر الله ، ويتوب إلى الله توبة صادقة ، عسى الله أن يقبل منه" انتهى من  "فتاوى اللجنة الدائمة"( 22 / 15).

ثالثا:

قد تبين مما سبق أن ستر الإنسان لنفسه أولى من سعيه لإقامة الحد عليه، ومنه يُعلم أن الحد ليس شرطا للتوبة، وأن التوبة تصح بدونه، ومن باب أولى أن الأعمال الصالحة الأخرى تقبل من دون إقامة الحد؛ لأنه لا علاقة بينها وبين الحد.

والحاصل:

أن من زنى-مثلا- فيستحب أن يستتر بستر الله، وأن يتوب فيما بينه وبين ربه، وألا يخبر أحدا بجُرمه، ويستحب لمن اطلع عليه أن يستره، وأن يحثه على ستر نفسه، فإن تاب تاب الله عليه، ولا تأثير لعدم إقامة الحد على توبته ولا على بقية عمله.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب