الحمد لله.
أولا ً :
نحمد الله تعالى أن خلصكم من الحكم الشيوعي الظالم الفاجر , بعد أن استمر في قمعه للمسلمين أكثر من أربعين سنة , عمل خلالها على هدم المساجد وتحويل بعضها إلى متاحف , واستولى على المدارس الإسلامية ، وعمل على تغيير أسماء المسلمين , وطمس الهوية الإسلامية .
لكن .. يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .
فها هو الحكم الشيوعي بجبروته وطغيانه قد زال عام 1989م , وفرح بذلك المسلمون فرحاً شديداً , وعادوا إلى مساجدهم القديمة يرممونها ويصلحون من شأنها , ورجعوا إلى تعليم أطفالهم القرآن ، وعاد حجاب النساء المسلمات إلى الظهور في الشوارع والطرقات .
ونسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً , وأن ينصرهم ويعزهم ويكبت عدوهم.
ثانياً :
لقد نشأ جيل من المسلمين في بلغاريا تحت وطأة الحكم الشيوعي لا يعلمون شيئاً عن الإسلام , غير أنهم مسلمون , إذ حال الحكم الشيوعي بينهم وبين تعلم الإسلام , بل كان يمنع حتى دخول القرآن الكريم , والكتب الإسلامية إلى بلغاريا .
وهؤلاء الذين لا يعرفون شيئاً عن أحكام الإسلام وعبادته وفروضه لا يلزمهم قضاء شيء من تلك العبادات ، فإن المسلم إذا لم يتمكن من العلم الشرعي , ولم تبلغه الأحكام الشرعية فإنه لا يلزمه شيء , لقول الله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/286 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها , بل الوجوب بحسب الإمكان , وكذلك ما لم يعلم حكمه , فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه , وبقي مدة لم يصلِّ , لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء , وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد .
وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان , وأداء الزكاة , وغير ذلك .
ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين , وإنما اختلفوا في قضاء الصلوات ...
وأصل هذا كله : أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم لا تلزم أحدا إلا بعد العلم ؟
والصواب في هذا : أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم , وأنه لا يُقضَى ما لم يعلم وجوبه , فقد ثبت في الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود , ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء , ومنهم من كان يمكث جنبا مدة لا يصلي , ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم كأبي ذر وعمر بن الخطاب وعمار لما أجنب , ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم بالقضاء .
ولا شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا بالإعادة . ومثل هذا كثير . وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور : أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها , فالوجوب مشروط بالقدرة ، والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور , أو فعل محظور , بعد قيام الحجة" انتهى باختصار .
"مجموع الفتاوى" (19/225) .
وعلى هذا ، لا يلزمكم قضاء شيء من العبادات التي لم تعلموا بوجوبها .
والنصيحة لكم أن تُقبلوا على تعلّم الأحكام الشرعية ، والتفقه في الدين ، والحرص كل الحرص على تعلم الإسلام والعمل به ، وتربية جيل مسلم ، حتى تكونوا على قدر التحدِّيات التي تواجه المسلمين عموماً ، وفي بلادكم خاصة .
ونسأل الله تعالى أن يعزّ الإسلام والمسلمين .
والله أعلم .
تعليق