لدي محل شراكة أنا ورجل آخر على أساس رأس المال منه وأنا علي العمل ، وتم أول جرد بعد سنة وثلاثة أشهر ، وأخرجت الزكاة حسب الجرد الأول وزيادة شيء قليل ، وتم الجرد الثاني بعد سنة وثلاثة أشهر أيضا ، فكيف يتم حساب الزكاة وقد مر على العمل سنتان ونصف ، وقد حققنا أرباحا ، فكيف يتم حساب الزكاة ؟ علما بأني قد أخرجت على حسب جرد العام الماضي وزيادة .
الحمد لله.
أولاً:
من ملك نصاباً وحال عليه الحول ، وجب عليه إخراج زكاته على الفور ، ولا يجوز له تأخيره إلا لعذر.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (87518) .
وعلى هذا فقيامكم بإخراج الزكاة بعد ثلاثة أشهر من انتهاء الحول لا يجوز ، فإما أن تجعلوا الجرد في نهاية كل سنة حتى تتمكنوا من إخراج الزكاة بعد نهاية الحول مباشرة ، وإما أن تخرجوا الزكاة بعد نهاية الحول وقبل الجرد ، على أن تخرجوا حتى يغلب على ظنكم أنكم أديتم الواجب عليكم ، ثم بعد الجرد : إن كانت الزكاة التي أخرجتموها كافية فقد أجزأت ، وفعلتم الواجب ، وإن كان لا يزال عليكم قدر من الزكاة أخرجتموه .
فإذا كان قد مر عليكم الآن سنتان ونصف ، وقد أخرجتم زكاة سنتين : فالواجب عليكم إخراج زكاة المال ، على التفصيل الآتي ذكره ، عن السنة الثالثة : بعد ستة أشهر ؛ والأقرب أن تجعلوا جردكم هذه السنة بعد ستة أشهر ، ليستقر نظام الجرد بعد ذلك كل سنة ، أو تخرجوا زكاة السنة الثالثة ، مقدما ، قبل الجرد ، على ما سبق ذكره .
ثانياً:
كونك قد أخرجت زكاة السنة الأولى والثانية فقد برئت ذمتك وما زاد على الواجب فهو صدقة تجدها أمامك يوم القيامة .
وإذا كنت نويت بهذه الزيادة ، عند إخراجها : أنها زكاة مقدمة من زكاة العام القادم ؛ فإنك تحسبها من زكاة العام القادم .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (50801) .
أما بالنسبة لزكاة السنة الثالثة ، وكذلك ما بعدها من سنوات : فصاحب رأس المال تجب عليه الزكاة في رأس ماله ، مضافا إليه نصيبه من الربح ، فيزكي رأس المال والربح جميعا .
وأما المضارب (وهو أنت) : فإنه لا يمتلك نصيبه من الربح إلا بعد الحساب والقسمة ، فإذا استلم نصيبه من الربح بدأ في حساب الحول من يوم استلامه ، إن بلغ نصابا مع ما معه من نقود ، ثم يزكيه إذا مرت عليه سنة .
فإن أنفقه قبل مرور السنة عليه فلا زكاة فيه .
والفرق بين صاحب رأس المال في أنه يزكي أرباحه ، والمضارب لا يزكيها إذا استلمها حتى تمر عليها سنة : هو أن ربح صاحب المال تابع لرأس المال ، أما المضارب فلم يشارك برأس مال في الشركة حتى يكون الربح تابعا له .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وَإِنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا مُضَارَبَةً ، عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَحَالَ الْحَوْلُ وَقَدْ صَارَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ ، فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ أَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ رِبْحَ التِّجَارَةِ حَوْلُهُ حَوْلُ أَصْلِهِ ...
وَأَمَّا الْعَامِلُ : فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي حِصَّتِهِ حَتَّى يَقْتَسِمَا ، وَيَسْتَأْنِفُ حَوْلًا مِنْ حِينَئِذٍ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ . فَقَالَ : إذَا احْتَسَبَا ، يُزَكِّي الْمُضَارِبُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ احْتَسَبَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَالَهُ فِي الْمَالِ ، وَلِأَنَّهُ إذَا اتَّضَعَ (أي: خسر) بَعْدَ ذَاكَ ، كَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ .
يَعْنِي : إذَا اقْتَسَمَا ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْغَالِبِ تَكُونُ عِنْدَ الْمُحَاسَبَةِ ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ : إنَّ اتَّضَعَ بَعْدَ ذَلِكَ ، كَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ " .
انتهى باختصار من المغني (4/160-160) .
[ ومعنى هذا : أنهما إذا احتسبا واقتسما الربح ، واستلم المضارب ربحه ، فإن حدثت خسارة بعد ذلك : فإنها تكون على صاحب رأس المال ، والربح الذي أخذه المضارب لا يتحمل شيئا من الخسارة ، لأنها حصلت بعد القسمة ] .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" حصة المضارب - وهو العامل - من الربح فلا زكاة فيها؛ لأن الربح وقاية لرأس المال ،
مثاله : أعطيت شخصاً مائة ألف ليتجر بها ، فربحت عشرة آلاف ؛ للمالك النصف ، وللمضارب النصف خمسة آلاف فلا زكاة في حصة المضارب ، لأنها عرضة للتلف ، إذ هي وقاية لرأس المال ، إذ لو خسر المال : لا شيء له ، وحصة المالك من الربح : فيها الزكاة ؛ لأنها تابعة لأصل مستقر ، فمال رب المال : فيه الزكاة ، وكذا نصيبه من الربح ؛ لأن نصيبه تابع لأصل مستقر" انتهى من " الشرح الممتع " (6/17) .
والله أعلم .