الحمد لله.
ومعنى كلامه رحمه الله أن قصارى ما يستفاد من مثل هذه المنامات
: التذكير بأصل معلوم في الشرع ، فحياة القلب بالذكر أمر معلوم بنصوص الكتاب والسنة
؛ كما قال تعالى : (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/ 28 ،
وكما روى البخاري (6407) - واللفظ له - ومسلم (779) عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (
مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ
وَالمَيِّتِ )
فكون الذكر يحيي القلب : هو أمر معلوم بالشرع ، وقول العبد " يا حي يا قيوم ، لا
إله إلا أنت " هو من الذكر الوارد المأثور أيضا :
فعن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ
رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ
لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ) .
رواه أبو داود (5090) وغيره ، وحسنه الألباني .
وعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
لِفَاطِمَةَ: مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ؟ أَنْ تَقُولِي
إِذَا أَصْبَحْتِ، وَإِذَا أَمْسَيْتِ: " يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ
أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي
طَرْفَةَ عَيْنٍ " .
رواه النسائي في الكبرى (10405) وحسنه الألباني .
ولذلك قال الشيخ رحمه الله : " وَفَائِدَةُ الرُّؤْيَا التَّنْبِيهُ عَلَى
الْخَيْرِ " .
ثم قال : " وَإِنَّمَا يَبْقَى الْكَلَامُ فِي التَّحْدِيدِ
بِالْأَرْبَعِينَ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدُ عَلَى اللُّزُومِ اسْتَقَامَ "
يعني أن التحديد بالأربعين لم يأت به النص ، فلا يشرع التزامه ؛ لأنه بذلك يكون من
البدع الإضافية ، فإن حصل اتفاقا فلا حرج ، أو من غير التزام : فلا حرج ؛ وهذا معنى
قوله : " وَإِذَا لَمْ يُوجَدُ عَلَى اللُّزُومِ : اسْتَقَامَ " .
وقد تقدم في إجابة السؤال رقم (47073)
أن ما ثبت في الأذكار والعبادات تقييده بوقت ، أو عدد ، أو تحديد مكان له ، أو
كيفية ؛ كان المشروع التزام ذلك كله .
وأما ما شرعه الله من الأذكار والأدعية وسائر العبادات مطلقا عن التقييد بوقت أو
عدد أو مكان أو كيفية ، فلا يجوز لنا أن نلتزم فيه بكيفية ، أو وقت أو عدد، بل
نعبده به مطلقا كما ورد .
قال علماء اللجنة الدائمة :
" يستحب المحافظة على ما ورد فيه تحديد من الشرع على العدد الذي حدده، أما ما كان
مشروعا من الذكر دون تحديد بعدد فيشرع الذكر به دون التزام عدد معين فيه " انتهى من
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/ 532)
ثانيا :
رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام لا تثبت بها الأحكام الشرعية ، وإنما غاية
ما هنالك أن تكون بشارة إن كانت من باب الخبر ، أو تكون تذكيرا بأصل شرعي مقرر ،
على ما سبق في كلام الشاطبي .
قال علماء اللجنة الدائمة :
" لا يخفى أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فأمره بفعل شيء ، أو ترك
شيء : أنه لا يبني على ذلك، لأن الله تعالى قد أكمل دينه وأتم نعمته ، فلم يبق من
أمر الشريعة المطهرة ما يحتاج إلى إكمال، ليؤخذ مثلا من الرؤى والمنامات، وإن كان
ما رآه موافقا للشريعة فهو تأكيد للأمر الشرعي ، وإعانة له عليه ، إن كان رأى النبي
صلى الله عليه وسلم على صورته ، أما إن رآه على غير صورته فإنها رؤيا غير صحيحة "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/ 91)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
عندنا رجل رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يعلمه كلمات ويدعو بها، فلما
أصبح قام بطبع هذا الدعاء ووزعه على الناس ما الحكم في هذا العمل؟
فأجاب:
" هذا العمل لا يؤخذ منه حكم شرعي، وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، بل شريعة
الرسول صلى الله عليه وسلم : كملت قبل موته صلوات الله وسلامه عليه، فلا تشريع بعد
موت الرسول عليه الصلاة والسلام أبداً .
والإنسان إذا رأى شخصاً ووقع في نفسه أنه الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا يكون
الرسول، بل لا بد أن يكون هذا الشخص الذي رآه الإنسان مطابقاً لما نقله أهل العلم
في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما مجرد أن يقع في نفس النائم أن هذا رسول
الله فهذا ليس دليلاً على أنه رسول الله حقاً.
ثم إن هذا الدعاء الذي ادعاه هذا المدعي إن كانت قد جاءت به السنة : فهو سنةٌ من
قبل، وإن كانت السنة لم تأتِ به من قبل فإنه لا يجوز أن يطبعه ويوزعه؛ لأنه لا
تشريع بعد وفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (4/ 2) بترقيم الشاملة
وينظر للفائدة إجابة السؤال رقم : (23367) ورقم (184622)
.
والله أعلم .