الحمد لله.
فتحصل من ذلك : أن الفقه في الدين هو : فهم مراد الله
من عباده ، سواء كان مراده تصديقا لخبر ، أو عملا بأمر ، أو انتهاء عن نهي ، وليس
فهم العلم فحسب ؛ بل الفهم الحامل لصاحبه على الامتثال ، ثم الناس يتفاوتون في ذلك
، علما وعملا وحالا ؛ فمن مقل ومستكثر ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" كُلُّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا لَا بُدَّ أَنْ يُفَقِّهَهُ فِي
الدِّينِ ، فَمَنْ لَمْ يُفَقِّهْهُ فِي الدِّين ِ، لَمْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ
خَيْرًا ، وَالدِّينُ : مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ ؛ وَهُوَ مَا يَجِبُ
عَلَى الْمَرْءِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِهِ ، وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ
يُصَدِّقَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ ،
وَيُطِيعَهُ فِيمَا أَمَرَ ، تَصْدِيقًا عَامًّا ، وَطَاعَةً عَامَّةً ".
انتهى من " مجموع الفتاوى " (28/ 80).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" هذا الحديث العظيم يدلنا على فضل الفقه في الدين.
والفقه في الدين هو : الفقه في كتاب الله عز وجل ، والفقه في سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وهو الفقه في الإسلام من جهة أصل الشريعة ، ومن جهة أحكام الله
التي أمرنا بها ، ومن جهة ما نهانا عنه سبحانه وتعالى ، ومن جهة البصيرة بما يجب
على العبد من حق الله وحق عباده ، ومن جهة خشية الله وتعظيمه ومراقبته ؛ فإن رأس
العلم خشية الله سبحانه وتعالى ، وتعظيم حرماته ، ومراقبته عز وجل فيما يأتي العبد
ويذر ، فمن فقد خشية الله ، ومراقبته فلا قيمة لعلمه ، إنما العلم النافع .
والفقه في الدين الذي هو علامة السعادة ، هو العلم الذي يؤثر في صاحبه خشية الله ،
ويورثه تعظيم حرمات الله ومراقبته ، ويدفعه إلى أداء فرائض الله وإلى ترك محارم
الله ، وإلى الدعوة إلى الله عز وجل ، وبيان شرعه لعباده .
فمن رزق الفقه في الدين على هذا الوجه : فذلك هو الدليل والعلامة على أن الله أراد
به خيرا ، ومن حرم ذلك ، وصار مع الجهلة والضالين عن السبيل ، المعرضين عن الفقه في
الدين ، وعن تعلم ما أوجب الله عليه ، وعن البصيرة فيما حرم الله عليه : فذلك من
الدلائل على أن الله لم يرد به خيرا .
فمن شأن المؤمن طلب العلم والتفقه في الدين ، والتبصر ، والعناية بكتاب الله
والإقبال عليه وتدبره ، والاستفادة منه والعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
، والتفقه فيها ، والعمل بها ، وحفظ ما تيسر منها ، فمن أعرض عن هذين الأصلين ،
وغفل عنهما : فذلك دليل وعلامة على أن الله سبحانه لم يرد به خيرا ، وذلك علامة
الهلاك والدمار ، وعلامة فساد القلب وانحرافه عن الهدى " .
انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (9/ 129-130).
والله تعالى أعلم .